الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

*لام الصيرورة أو العقبة أو الغاية في قوله تعالي(فطلقوهن لــ عدتهن)

لام الصيرورة ، وتسمى لام العاقبة أولام المآل

 قال القرطبي في تفسير سورة الطلاق:
 
(وقد قيل: إنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته وغاير بين اللفظين من حاضر وغائب وذلك لغة فصيحة، كما قال: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} تقديره: يا أيها النبي قل لهم إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن. وهذا هو قولهم،: إن الخطاب له وحده والمعنى له وللمؤمنين.

وإذا أراد الله بالخطاب المؤمنين لاطفه بقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}. فإذا كان الخطاب باللفظ والمعنى جميعا له قال :{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ }.
 قلت: أي القرطبي: ويدل على صحة هذا القول نزول العدة في أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية:
ففي كتاب أبي داود عنها أنها طلقت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله تعالى حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق، فكانت أول من أنزل فيها العدة للطلاق.
وقيل: المراد به نداء النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما، ثم ابتدأ فقال: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} ؛كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ} الآية. فذكر المؤمنين على معنى تقديمهم وتكريمهم؛ ثم افتتح فقال: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ} الآية.
قلت المدون: تناول الحافظ القرطبي معنىً جيداً حين أشار الي معاني خطاب الله للمؤمنين بابتداء لفظه (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ /سورة الطلاق)،لكنه وهو حافظ غلب علي تفسيره الطابع اللغوي لم يتعرض لمعني اللام هنا وأنها لام العاقبة أو الغاية أو البعدية أو لام الأجل ،
وقلنا مرارا أنها من بلاغات القرآن الكريم والمهمة جدا في اختصار مدلول ارتباط الأمر بنهاية أجله ^^كمثل(وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)/سورة الأعراف)، 

وقوله تعالي (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)/سورة الأعراف)وفي كل لام من لامات ميقاتن يدل موضعها علي أنها من بلاغات القرآن الكريم والمهمة جدا في اختصار مدلول ارتباط الأمر بنهاية أجله أي مدلول ارتباط ذهاب موسي لربه بنهاية ميقاته مع ربه وليس في أي ميقات غيره ودل علي ذلك قطعا قوله تعالي محددا ميقاته جل وعلا لموسي في (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) فلفظة ميقات ربه هنا (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا) تعني بعد تمام ميقاتناكذلك قوله تعالي (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ /سورة الطلاق)) أي لمآل الأجل وبعد نهايته أو في عاقبته


وأما ( لام الصيرورة ) - وهذه تسمية الكوفيين ، والبصريون يسمونها : لام العاقبة ، وبعض النحاة يطلق عليها : لام المآل - فهي الدالة على أن ما بعدها جاء على غير قصد الفاعل من الفعل الذي قبلها ؛
كما في قوله تعالى:(فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحَزَنا) فهم لم يلتقطوه لذلك بل قال قائلهم عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ، ولكن الطفل كانت له النبوة وقدر الله أن يكون هلاك فرعون على يد هذا النبي فكان لهم عدوا لكفلاهم وعنادهم وحزنا لما صاروا إليه ؛ أي:كان شأن الطفل على غير مُناهم منه.والله أعلم.
                                                                       
باب لام العاقبة أو الصيرورة (من نداء الايمان) وسيأتي غرضها بمزيد توضيح ان شاء الله تعالي)

1.وهي التي يسميها الكوفيون لام الصيرورة هذه اللام هي ناصبة لما تدخل عليه من الأفعال بإضمار أن والمنصوب بعدها بتقدير اسم مخفوض

2.وهي ملتبسة بلام المفعول من أجله وليست بها وذلك قولك أعددت هذه الخشبة ليميل الحائط فأدعمه بها وأنت لم ترد ميل الحائط ولا أعددتها للميل لأنه ليس من بغيتك وإرادتك ولكن أعددتها خوفا من أن يميل فتدعمه بها

3.واللام دالة على العاقبة، وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا‏}‏ ‏[‏سورة القصص‏:‏ 8‏]‏؛
*وهم لم يلتقطوه لذلك إنما التقطوه ليكون لهم فرحا وسرورا فلما كان عاقبة أمره إلى أن صار لهم عدوا وحزنا جاز أن يقال ذلك فدلت اللام على عاقبة الأمر

وكذلك التكليف بالفعل في عاقبة زمانه وليس في مبتدأ هذا الزمان ووجود دلائل هذه العاقبة منها:
1.التكليف بالإحصاء لأن الإحصاء يدل علي تحقق الفعل في نهاية الشيء المُحْصَي أي يدل علي بلوغ منتهي المعدود
2.ومنها التكليف بالإنتهاء عن إخراج النساء المنذرات بالتطليق إذا حان وقت نهاية العدة(المحصاة)،
3.   ومنها تحريم خروجهن أنفسهن 

وهذا الفرض والتكليف بالانتهاء عن إخراجهن أو خروجهن من بيوتهن هو دليل قاطع علي التكليف بالخلوة بهن وخلوتهن بأزواجهن في عدة الإحصاء أو عدة العاقبة (يعني نهاية العدة)،ولا يكون ذلك أبدا إلا للأزواج وليس للمطلقات


وهذا يعني أن قوله تعالي لعدتهن تدل قطعا علي تأجيل التطليق إلي بعد انتهاء العدة كما في قوله تعالي (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)/سورة الطلاق)
4.لفظ (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ
هو دليل علي أن اللام الملصقة بلفظ عدتهن هي لام العاقبة أو العاقبة فالبلوغ لا يتم إلا مع ما سيبلغ الأمر عاقبته ،لأن البلوغ هو وصول البالغ الي منتهي غايته،وعاقبة أمره

5.قوله تعالي(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) يحتوي علي نفس دلالة تفعيل الأمر في العدة عند عاقبتها أو في منتهاها أو في دُبُرِها أي فإذا بلغن أجلهن وأحصيتم عدتهن وهن في هذا كله زوجات أثناء العدة فأنتم بالخيار إن شئتم أمسكتموهن (أي شححتم بإعطائهن لغيركم من الرجال الخاطبين وأبقيتموهن علي ميثاقكم وعهدكم وذمتكم) ولن يتحقق غير ذلك إلا إذا مضيتم في عزمكم علي الطلاق،فالإمساك هو عدم الإعطاء والشح بما في ذات اليد وعدم إنفاقه أي الاحتفاظ بهن غير مفرطين فيهن شاحِّين بإطلاقهن من ميثاقكم ليحوذ عليهن غيركم من الخطاب) والإمساك في لسان العرب هو الشح وعدم الترك ،وفيه دلالة علي تملك الممسوك (الزوجات وبقائهن في عصمة الأزواج)،

6.كما أن باقي الآية في دلالة قاطعة علي أن اللام في قوله تعالي (لــ عدتهن) هي لام تفعيل الطلاق في عاقبة العدة وبعد انتهائها قال تعالي

(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)،

  والمفارقة لغة هي الإرسال بعد الإستحواذ أو الإطلاق بعد التملك ، أو هي إرسال الزوجة في نهاية العدة بتفعيل والتصميم علي خيار التطليق وبه أي التطليق يتم التفريق ؛؛؛

ولا يقال لإرسال وابتعاد الخصماء (تفريقا) إنما يُقال لهم (تسريحاً) لأن الخصام أدي بهم أي الخصماء أو الفرقاء إلي التفريق أولاً ثم أتي التفريق الأخير فأدي بالمتفرقين إلي التسريح آخرا وبمعني آخر فالتفريق جاء في سورة الطلاق ليدل علي أن الزوجين ما زالا زوجين وفرقهما تفعيل الطلاق في نهاية العدة (أي هو تفريق بعد توثيق) ،بينما يدل التسريح علي أن الأثنين قد تفرقا أولاً بالطلاق في صدر العدة ثم تفرقا أخيراً بالتسريح في نهاية عدة الاستبراء،
(أي أن التسريح هو تفريقٌ بعد تفريق)

،وبمعني ثالث فالتفريق هو ارسال بعد توثيق بينما التسريح هو إرسال بعد طلاق وتفريق (أي تفريق بعد تفريق) ، وفي كل الحالات يتأكد أن اللام في قوله تعالي (لـــ عدتهن) هي لام العاقبة أو الصيرورة أو لام انتهاء أجل الشيئ

قلت المدون وجاء في موقع نداء الايمان عن بعض استخدامات لام العاقبة**والعرب قد تسمي الشيء باسم عاقبته كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏نِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا‏}‏ ‏[‏سورة يوسف‏:‏ 36‏]‏؛ إنما كان يعصر عنبا تؤول عاقبته إلى أن يكون خمرا فسماها بذلك *وحكى الأصمعي عن المعتمر بن سليمان أنه قال‏:‏ لقيني أعرابي ومعه عنب فقلت له ما معك فقال خمر وهذا هكذا مجازه عند أهل العربية أن العرب قد تسمي الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو ناسبه أو اتصل به أو آلت إليه عاقبته فقد زعم من لا علم له بالعربية ومعرفة أساليبها وأتساع العرب فيها أن الخمر هاهنا هو العنب نفسه ضعفا منه عن تخريج وجهه من كلام الفصحاء منهم وإلحاقه بما يعرفون الخطاب به ولو كان هذا جائزا في اللغة لكان من أكل العنب قد أتى ما حظره الله عليه من تحريم الخمر، 

*وقد خاطب الله تعالى ذكره العرب وأصحاب النبي بذلك فعقلوه المراد به ولم يحمل عن أحد منهم أن المراد بالتحريم العنب والإجماع على هذا يدل على فساد ما ذهب إليه هذا القائل بهذه المقالة ومن لام العاقبة قول الشاعر وهو سابق البربري‏:‏ 
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ***   ودورنا لخراب الدهر نبنيها
وهم لا يجمعون المال للوارث ولا يبنون الدور للخراب ولكن لما كانت عاقبة أمرهم إلى ذلك جاز أن يقال   فيه ما ذكرنا، ومن ذلك

 قول الآخر‏:‏
لا يبعد الله رب الأنام ***            والملح ما ولدت خالده
هم يطعمون سديف العشار *** والشحم في الليلة البارده
هم يطعنون صدور الكماة ***      والخيل تطرد أو طارده
يذكرني حسن آلائهم ***                    تأوه معولة فاقده
فأم سماك فلا تجزعي ***             فللموت ما تلد الوالده
لا تلد للموت ولكن ذلك للعاقبة كما ذكرنا ومعنى الصيرورة والعاقبة في هذا سواء وإن اختلف اللفظان‏.‏

                                                                                                                  
باب لام العاقبة (اضغط الرابط)
روابط كتاب اللامات في اللغة العربية من نداء الايمان
2.       مقدمة المؤلف
5.       لام التعريف
9.       باب لام الملك
10.                     باب لام الاستحقاق
11.                     باب لام كي
12.                     باب لام الجحود
13.                     باب لام إن
14.                     الجواب عن هذه المسائل
15.                     باب لام الابتداء
16.                     باب لام التعجب
17.                     باب اللام الداخلة على المقسم به
18.                     باب اللام التي تكون جواب القسم
19.                     باب لام المستغاث به
20.                     باب لام الأمر
21.                     باب لام المضمر
26.                     باب لام العاقبة

باب لام العاقبة
وهي التي يسميها الكوفيون لام الصيرورة هذه اللام هي ناصبة لما تدخل عليه من الأفعال بإضمار أن والمنصوب بعدها بتقدير اسم مخفوض وهي ملتبسة بلام المفعول من أجله وليست بها وذلك قولك أعددت هذه الخشبة ليميل الحائط فأدعمه بها وأنت لم ترد ميل الحائط ولا أعددتها للميل لأنه ليس من بغيتك وإرادتك ولكن أعددتها خوفا من أن يميل فتدعمه بها واللام دالة على العاقبة، وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا‏}‏ ‏[‏سورة القصص‏:‏ 8‏]‏؛ وهم لم يلتقطوه لذلك إنما التقطوه ليكون لهم فرحا وسرورا فلما كان عاقبة أمره إلى أن صار لهم عدوا وحزنا جاز أن يقال ذلك فدلت اللام على عاقبة الأمر والعرب قد تسمي الشيء باسم عاقبته كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏نِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا‏}‏ ‏[‏سورة يوسف‏:‏ 36‏]‏؛ إنما كان يعصر عنبا تؤول عاقبته إلى أن يكون خمرا فسماها بذلك وحكى الأصمعي عن المعتمر بن سليمان أنه قال‏:‏ لقيني أعرابي ومعه عنب فقلت له ما معك فقال خمر وهذا هكذا مجازه عند أهل العربية أن العرب قد تسمي الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو ناسبه أو اتصل به أو آلت إليه عاقبته فقد زعم من لا علم له بالعربية ومعرفة أساليبها وأتساع العرب فيها أن الخمر هاهنا هو العنب نفسه ضعفا منه عن تخريج وجهه من كلام الفصحاء منهم وإلحاقه بما يعرفون الخطاب به ولو كان هذا جائزا في اللغة لكان من أكل العنب قد أتى ما حظره الله عليه من تحريم الخمر، وقد خاطب الله تعالى ذكره العرب وأصحاب النبي بذلك فعقلوه المراد به ولم يحمل عن أحد منهم أن المراد بالتحريم العنب والإجماع على هذا يدل على فساد ما ذهب إليه هذا القائل بهذه المقالة ومن لام العاقبة قول الشاعر وهو سابق البربري‏:‏
أموالنا لذوي الميراث نجمعها *** ودورنا لخراب الدهر نبنيها
وهم لا يجمعون المال للوارث ولا يبنون الدور للخراب ولكن لما كانت عاقبة أمرهم إلى ذلك جاز أن يقال فيه ما ذكرنا، ومن ذلك قول الآخر‏:‏
لا يبعد الله رب الأنام *** والملح ما ولدت خالده
هم يطعمون سديف العشار *** والشحم في الليلة البارده
هم يطعنون صدور الكماة *** والخيل تطرد أو طارده
يذكرني حسن آلائهم *** تأوه معولة فاقده
فأم سماك فلا تجزعي *** فللموت ما تلد الوالده
لا تلد للموت ولكن ذلك للعاقبة كما ذكرنا ومعنى الصيرورة والعاقبة في هذا سواء وإن اختلف اللفظان‏.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق