الخميس، 27 أكتوبر 2016

صدقة السر

3.              صدقة السر  من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة








صدقة السر هي: ما يفعل من الخير، في الخفاء، والمقصود إخفاء التصدق بالمال، وعدم إعلانه عند التصدق، وقد ورد في ذلك قول الله تعالى: ﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [2:271]. والصدقة تشمل: صدقة الفرض وصدقة النفل.

ومعنى الآية: أن إظهار الصدقة أفضل من إخفائها، وقد ذكر أكثر العلماء أن هذا محمول على: (إيتاء الزكاة)، أي: التصدق بالصدقة الواجبة، فإبداؤها أي: إظهارها وأداؤها علنا؛ أفضل من أدائها سرا؛ لأنه إقامة فرض من فروض الدين، ولئلا يتهم المزكي بمنع الزكاة، وربما يطالب بها بعد إخراجها سرا، كما أن في إعلانه وإظهاره للزكاة ظهور برآءة الذمة، ومجانبة الوقوع في الشبهة، وفي الحديث: «فمن اتقى الشبهات؛ فقد استبرء لدينه وعرضه». وإخفاء الصدقة خير من إعلانها، وهو محمول على صدقة التطوع، وذلك أن فعل الخير في الخفاء من علامات الإخلاص في العمل، ويكون أقرب للقبول عند الله، والإسرار بالعمل الصالح أفضل من العلانية، من حيث كونه عبادة فيما بين العبد وربه، لكن الجهر أفضل من فيما يتعلق بشعائر الدين، من حيث أنه يطلب الجهر بالأذان مثلا، وبإقامة الجماعة، وتأدية الفرض.

محتويات

o        1 تعريف الصدقة

o        2 حكم إخفاء الصدقة

o        3 فضل صدقة السر

o        4 مراجع

تعريف الصدقة

الصدقة في اللغة: ما يتصدق به من مال، والصدقة المفروضة هي: (الزكاة)، وغير المفروضة هي: (صدقة التطوع)، وتكون الصدقة بغير المال، وفي الحديث: «عن أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا».

والصدقة بالمعنى الشرعي هي: "المال المؤدى"، وتشمل: الزكاة أي: الواجبة، وصدقة التطوع

حكم إخفاء الصدقة

قال تعالى: ﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [2:271]

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: ﴿إن تبدوا الصدقات﴾ إن تعلنوا الصدقات فتعطوها من تصدقتم بها عليه "فنعما هي" يقول: فنعم الشيء هي ﴿وإن تخفوها﴾ يقول: وإن تستروها فلم تعلنوها ﴿وتؤتوها الفقراء﴾ يعني: وتعطوها الفقراء في السر ﴿فهو خير لكم﴾ يقول: فإخفاؤكم إياها خير لكم من إعلانها، وذلك في صدقة التطوع.

كما ذكر الطبري بسنده عن قتادة: «كل مقبول إذا كانت النية صادقة، وصدقة السر أفضل. وذكر لنا أن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار».

«عن معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ﴿إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم﴾، فجعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها، يقال بخمسة وعشرين ضعفا، وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها». وروى بسنده عن سفيان قال: يقول: "هو سوى الزكاة". وقال آخرون: إنما عنى الله عز وجل بقوله: ﴿إن تبدوا الصدقات فنعما هي﴾: إن تبدوا الصدقات على أهل الكتابين من اليهود والنصارى فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها فقراءهم فهو خير لكم، قالوا: وأما ما أعطى فقراء المسلمين من زكاة وصدقة تطوع فإخفاؤه أفضل من علانيته.

وعن يزيد بن أبي حبيب يقول: إنما نزلت هذه الآية: ﴿إن تبدوا الصدقات فنعما هي﴾: في الصدقة على اليهود والنصارى.

«كان يزيد بن أبي حبيب يأمر بقسم الزكاة في السر قال عبد الله: أحب أن تعطى في العلانية يعني الزكاة».

«قال أبو جعفر: ولم يخصص الله من قوله: ﴿إن تبدوا الصدقات فنعما هي﴾ (شيئا دون شيء)، فذلك على العموم إلا ما كان من زكاة واجبة، فإن الواجب من الفرائض قد أجمع الجميع على أن الفضل في إعلانه وإظهاره سوى الزكاة التي ذكرنا اختلاف المختلفين فيها مع إجماع جميعهم على أنها واجبة، فحكمها في أن الفضل في أدائها علانية، حكم سائر الفرائض غيرها».

قال ابن عباس في الآية: «جعل الله تعالى صدقة السر في التطوع تفضل صدقة العلانية بسبعين ضعفا، وجعل صدقة العلانية في الفرض تفضل صدقة السر بخمسة وعشرين ضعفا».

وإظهار صدقة الفرض أفضل، وإخفاء صدقة التطوع أفضل، كما صرح القرآن بذلك، لكن هذا محمول على الغالب، فقد يختلف الحكم باختلاف الأحوال، وليس في تفضيل السر أو الإعلان بالصدقة حديث صحيح، يعول عليه، ولكنه الإجماع الثابت.

«والتحقيق فيه أن الحال في الصدقة تختلف بحال المعطي لها والمعطى إياها، والناس الشاهدين لها. وأما المعطي فله فائدة إظهار السنة وثواب القدرة، وآفتها الرياء والمن والأذى، وأما المعطى إياها فإن السر أسلم له من احتقار الناس له أو نسبته إلى أنه أخذها مع الغنى عنها وترك التعفف. وأما حال الناس فالسر عنهم أفضل من العلانية لهم، من جهة أنهم ربما طعنوا على المعطي لها بالرياء، وعلى الآخذ لها بالاستثناء؛ ولهم فيها تحريك القلوب إلى الصدقة لكن هذا اليوم قليل».

فضل صدقة السر

للصدقة في السر فضيلة، للمتصدق في الخفاء، وقد ورد في الحديث: «سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله». ومن هؤلاء السبعة: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه». الحديث: «عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ بعبادة الله ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».

كما أن في إخفاء الصدقة خير للمتصدق، لقول الله تعالى: ﴿وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم﴾. وفي الحديث: «عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «صلة الرحم تزيد في العمر، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصنائع المعروف تقي مصارع السوء»»

مراجع

8.       

                شرح النووي على كتاب صحيح مسلم، كتاب الزكاة، حديث رقم: (1006)، ص: (76).

                 

                أحكام القرآن لابن العربي

                 

شرح صحيح مسلم للنووي، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، حديث رقم: (1031)، ص: (100).

 

ماذا تعني الصدقة برهان ؟

 أيها الأخوة المؤمنون, مع الدرس العاشر من دروس الحديث النبوي الشريف، ومن كتاب رياض الصالحين، ومن باب الصبر، الحديث الشريف الذي نحن بصدده, هو قول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه أَبو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ, وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأانِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ, وَالصَّلَاةُ نُورٌ, وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ, وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ, وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ, كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو, فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا))

 

الحقيقة: أن الإنسان حينما يؤمن بالله عز وجل، ماذا فعل؟ يعني إذا آمنت أن هذه الآلة تعمل على الطاقة الكهربائية، أنت إذا آمنت بهذه الحقيقة، ماذا فعلت؟ ماذا قدمت؟ ماذا أحدثت؟ إذا آمنت بالحقيقة لا تكون قد فعلت شيئاً إلا أن تأخذ منها موقفاً، لذلك حينما يكتفي الإنسان بالإيمان بما هو حقيقي، بما هو واقع, من دون أن يكون له موقف دقيق، من دون أن يكون ذا عمل, يترجم إيمانه، فإيمانه لا قيمة له.
 في بالإسلام تشريعات كثيرة، هناك بعض التشريعات تتوافق مع طبيعة النفس، فلو أن الإنسان ذهب في الشتاء إلى العمرة، يستمتع بالحرمين المقدسين المكي والمدني، وقد يكون له أهل وأقارب هناك يرحبون به، ويمضي أياماً لطيفة جداً في الرحاب الطاهرة، طبعاً العمرة واجبة بنص الكتاب والسنة:

 

﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾

 

[سورة البقرة الآية: 196]

 لكن الذهاب إلى العمرة، وأخذ إجازة بعيداً عن مشاكل الحياة، والإقامة في الحرمين المقدسين، والتمتع بما عند المضيف من إكرام، هذا يتوافق مع طبيعة النفس، وقد يقدم الإنسان على الزواج، ويقول: أنا أطبق سنة النبي عليه الصلاة والسلام، طبعاً كان يدخل إلى البيت, ولا أحد يؤنس وحشته، بعد الزواج صار له زوجة ترغب به، ويرغب بها، تؤنسه ويؤنسها، ويقول: أنا أطبق السنة، شيء جميل طبعاً، فتطبيق هذه السنة توافق مع رغبتك، لا يعد الزواج برهاناً على إيمان الإنسان، لأن كل الناس يرغبون في الزواج، ولا تسمى العمرة في الشتاء إلى الديار المقدسة برهاناً على الإيمان، لأنه شيء ممتع، ولكن الشيء الذي يؤكد إيمانك، ويكون دليلاً عليه، هو أن يكون الشيء متناقضاً مع حاجاتك الأساسية.
فربنا سبحانه وتعالى أودع في قلب الإنسان حب المال لقوله تعالى:

 

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾

 

[سورة آل عمران الآية: 14]

 فالمال ذهباً، أو فضة، أو ورقاً, شيء أودع الله حبه في النفوس، فإذا بذل, يكون بذل المال متناقضاً مع حرص النفس عليه، إذاً: عندئذٍ يكون بذل المال شيئاً مؤكِّداً للإيمان، ربنا سبحانه وتعالى يقول:

 

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾

 

[سورة آل عمران الآية: 133]

 المتقون ما صفاتهم؟ لهم آلاف الصفات، المتقون لهم صفات كثيرة، ولكن الصفة التي بدأ الله بها هي قوله تعالى:

 

﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾

 

[سورة آل عمران الآية: 134]

لماذا بدأ الله تعالى بهذه الصفة؟ لأن هذه الصفة تؤكِّد تقواهم، فالإنسان إذا جاءت الأوامر الإلهية متوافقةً مع طبيعة النفس، لا تكون هذه الأوامر برهاناً على إيمانه، ولكنها إذا جاءت متناقضةً مع طبيعة النفس، عندئذٍ تكون الصدقة برهان.
 أنت إذا أنفقت ألف ليرة أو مئة ليرة, إنك بحاجة ماسة إليها، إنك تقضي بها بعض الحوائج، إنها شيء محبب، إنها جهدك، إن المال تعبير عن قيمة مطلقة، إنها رمز الجهد، إنها رمز العمل، إنها بذل رمز الطاقة التي أودعها الله في الإنسان، فإذا أنفقتها, أنفقت جزءً من طاقتك، أنفقت جزءًا من عملك، أنفقت جزءًا من جهدك، أنفقت جزءًا من وقتك، الوقت إذا بذلته تكسب به المال، فإذا أنفقت المال أنفقت وقتك، وأنفقت خبرتك، وأنفقت عملك، وأنفقت جهدك، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))

 الإنسان أحياناً يأتيه الشيطان، ويقول له: أنت لست مؤمناً، أنت منافق، الشيطان يوسوس للإنسان، فإذا دفع الإنسان مبلغاً من المال, من دون أن تعلم شماله ما أنفقت يمينه, فإن هذا الإنفاق, يلقم الشيطان حجراً يسكته، دفعت المال، وقد حبب إليك، دفعته، ولم يدرِ بهذا الدفع أحد، إنك بهذا ترجو الله عز وجل، لذلك من كان في شكٍ من أمره، من كان في شك من إيمانه، مَن كان في شك من حبه لله عز وجل، فلينفق دون أن يذكر إنفاقه، فإن في هذا الإنفاق قطعاً لوسوسة الشيطان، إن في هذا الإنفاق برهاناً.
 فأحياناً الإنسان يكون له صديق، فيزوره، يحتفل فيه، يدعوه لزيارته، فيرد الإكرام بإكرام مثله، عواطف جيَّاشة، وكلمات لطيفة، كلمات حارة، عبارات أنيقة، يعلق على العلاقة، يقول له: أنا أحبك، أنت جزء من كياني، أنا أتعاطف معك، هذا كله كلام، والسهرات متع, والرحلات فيها متع أيضاً، ولكن إذا جاءك هذا الصديق، وقال: هل معك مبلغ تقرضني إياه، فأنا في أشد الحاجة إليه؟ هنا تظهر المحبة الحقيقية، ما دام الأمر لا يوجد فيه بذل، في مجاملات، في عبارات دافئة، في كلمات رنَّانة، في تعليقات عاطفية، في تعبيرات عما في النفس من عواطف جياشة، ما دام الأمر على مستوى الكلام، فكله كلام بكلام، ولكن حينما يأتيك طالباً منك بعض المال، حينما تعطيه هذا المال، وأنت حريص عليه، فذا الدفع يؤكد إخلاصك له, صدق القائل:

 

إن الصديق الحق مَن كان معك  ومن يضر نفسه لينفعك
ومَن إذا ريب الزمان صدعـك  شتت فيك شمله ليجمعك

 فلذلك:

 

((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))

 ، برهان على أنك تحب الله ورسوله، برهان على أنك واثق بما عند الله من خيرٍ كبير، برهانٌ على أن الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام, من دعوة إلى الإنفاق؛ في قلبك, وفي سمعك, وأنت مصدق النبي العدنان، فلذلك ربنا عز وجل قال:

 

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

 

[سورة التوبة الآية: 103]

 من يقرأ القرآن الكريم في ثماني آيات فيما أذكر على سبيل الحصر, يؤكد الله سبحانه وتعالى أن كل شيء تنفقه الله سبحانه وتعالى يخلفه, قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾

 

[سورة سبأ الآية: 39]

 فإذا قرأت القرآن، وصدقت الله سبحانه وتعالى, عندئذٍ تنفق، فإذا أنفقت، فإنفاقك تصديق وبرهان على أنك مصدق لكلام الله، هذا معنى آخر، إنفاق المال في حد ذاته برهان على طاعتك لله، برهان على إيمانك، برهان على محبتك، ولكن إنفاق المال أيضاً؛ دليل على أنك مصدق لوعد الله، إذا أنفقت المال, فالله سبحانه وتعالى لابد من أن يخلفه عليك، من هنا تأتي كلمة:

((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))

 ذاق طعم القرب من أنفق ماله ابتغاء وجه الله، إن الصدقة لتقع في يد الله عز وجل قبل أن تقع في يد الفقير، إن الله سبحانه وتعالى يمكن أن يسترضى بالصدقة، باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها، فإذا سنحت من الإنسان سانحة لا ترضي الله عز وجل؛ وقع في مخالفة، وقع في تقصير، وقع في غيبة، خطفت نفسه صورة امرأة من دون أن يشعر، لم يكتف بالنظرة الأولى، زلت قدمه، زلَّت عينه، خانته عينه، وشعر أن الله ليس رضياً عنه، وشعر بالحجاب، وشعر بالتقصير، شعر بالمخالفة، إذا أسأت فأحسن، ادفع من مالك الذي كسبته حلالاً استرضاءً لله عز وجل.
والله الذي لا إله إلا هو, لا يعلم هذه المعاني إلا من ذاقها، إذا الإنسان وقع في غفلة، وقع في حجاب، وقع في مخالفة صغيرة عن غير قصد، وكانت هذه المخالفة حجاباً بينه وبين الله، بإمكانه أن يبادر في دفع صدقة, تزيل هذه الجفوة بينه وبين الله، تذيل هذا الحجاب الذي كان بينه وبين الله.
لذلك:

((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))

 ، لا أعتقد في واحد من الأخوة الحاضرين, لا يعرف عشرات, بل مئات, بل ألوف القصص التي تؤكد: أنك إذا أنفقت المال عوض عليك ما أنفقه أضعافاً مضاعفة، فالله سبحانه وتعالى يسترضى بالصدقة، غضب الله عز وجل يطفأ بالصدقة، البلاء يرد بالصدقة، المرض يعالج بالصدقة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((داووا مرضاكم بالصدقة))

 يعني إذا أردت أن تتقرب إلى الله عز وجل، فالمال جعله الله بين يديك مادةً للتقرب إلى الله عز وجل، يقول لك: فلان كيف مفتاحه؟ كيف نجعله يوافق على هذه الشيء؟ يقال لك: فلان مفتاحه ويوجهه توجيه معين، فالله سبحانه وتعالى إذا تصدقت, فإن هذه الصدقة تطفئ غضب الرب، إن هذه الصدقة تمنع البلاء، إن الصدقة تمحو السيئة،

((اتق الله حيث ما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن))

 ودرهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك، لا تعلم قد يبدو للورثة أن يتهموا أباهم بالجنون، ويقولون: هذا أبونا يحتاج إلى حجر صحي، يريد حجرًا على عقله، ربما لا تنفذ وصيتك، وقد يحتال في تنفيذها، أما إذا قدمت مالك أمامك سرك اللحاق به، أما إذا تركته خلفك آلمك تركه، لذلك:

((وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ))

 مرة ثانية, قال تعالى:

 

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾

 

[سورة التوبة الآية: 103]

والذي لا إله إلا هو, إذا أنفقت من مالك الحلال, لا تبتغي سمعة، ولا رياء، ولا ضجيجاً، ولا مكانة، ولا علواً في الأرض، ولا تألقاً، لا تبتغي إلا أن يرضى الله عنك، كان هذا المال مطهراً لنفسك، مزكياً لها، مقرباً لك من الله عز وجل، والإنسان لا يقول: ليس معي، قال عليه الصلاة السلام، وقد أنفق بعضاً من ماله، قال: ((يا رب هذا جهد من مقل ))، لأن رُبَّ درهم سبق ألف دهم، إذا الإنسان دفع عشرة ليرات، ولا يملك غيرها, فقد دفع ماله كلها.
شاب، له مخصصات أسبوعية، خمس وعشرون ليرة، لو أنه دفع منها خمس ليرات، ما معنى خمس ليرات؟ أي دفع خمس ماله، رب درهم سبق ألف درهم.
شيء آخر: درهم تنفقه في إخلاص خير من مئة ألف درهم ينفق في رياء.
 فهذه الصدقة برهان، أخوة كثيرون, يروون عشرات القصص, كيف أنها تطفئ غضب الرب؟ كيف أنها تمنع البلاء؟ كيف أنها تقي مصارع السوء؟ صنائع المعروف تقي مصارع السوء، كيف أنها تقرب من الله عز وجل؟ كيف أنها تطهر النفس؟ كيف أنها ترقى بصاحبها؟.
فلذلك آيات الإنفاق التي وردت في القرآن الكريم أكثر من أن تعد، كثيرةٌ جداً، والأحاديث الشريفة التي بينت فضل الإنفاق، أكثر من أن تحصى، وإذا أردت أن تتعامل مع الله بهذه الأحاديث، لا أقول لك: جرب, لأن الله لا يجرب، الله سبحانه وتعالى لا يجرب ولا يشارط، ولكن زوال الكون أهون على الله من أن تنفق نفقة من مالك الحلال، ولا يعوضها الله عليك بعشرات الأمثال في الدنيا قبل الآخرة، لذلك الحديث القدسي:

((عبدي أَنفق أُنفق عليك ))

 ، بل للصدقة معنى آخر، يقول عليه الصلاة والسلام:

((استنزلوا الرزق بالصدقة))

 أخ كريم, حدثني أن عمله أوشك أن يقف، ولا مورد له آخر، فاستمطر الرزق كما قال عليه الصلاة والسلام بالصدقة, صار ينفق من ماله كل يوم مبلغاً يسيراً، فالمبيعات كثرت إلى أن صار ينفق كل يوم مبلغاً كبيراً جداً, يتناسب مع حجم مبيعاته، إذاً: بالصدقة تجلب الرزق، وبالصدقة تطفئ غضب الرب، وبالصدقة تدفع البلاء، وبالصدقة تمحو السيئة، وبالصدقة تثبت لنفسك أنك مؤمن, وأن الله يحبك، وأن دفع المال رمٌز لإخلاصك في حب الله.
 بقي هذا الدفع، الأفضل أن يكون في حياتك، لأنه درهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك، والأفضل أن يكون هذا الدفع بإخلاص شديد، درهم أنفق في إخلاص خيرٌ من مئة ألف درهم أنفقت في رياء

===========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق