السبت، 28 يناير 2017

كتاب : البيان والتبيين مجلد 5 من المؤلف : أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

كتاب : البيان والتبيين مجلد 5 من
المؤلف : أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

( أما لوأن جهلك عاد علما ... اذا لنفذت في علم الغيوب )
( وما لك بالغريب يد ولكن ... تعاطيك الغريب من الغريب
وأنشدوا
( أرى زمنا نوكا واسعد أهله ... ولكنما يشقى به كل عاقل )
( مشى فوقه رجلاه والرأس تحته ... فكب الأعالي بارتفاع الاسافل )
وهذه أبيات كتبناها في غير هذا المكان من هذا الكتاب ولكن هذا المكان أولى بها
وقال الشاعر
( وللدهر ايام فكن في لباسها ... كلبسته يوما اجد واخلقا )
( وكن اكيس الكيسى اذا كنت فيهم ... وان كنت في الحمقى فكن انت احمقا )
وقال الاخر
( وانزلني طول النوى دار غربة ... اذا شئت لاقيت الذي لا أشاكله )
( فحامقته حتى يقال سجية ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله )
وقال أبو العتاهية
( من سابق الدهر كبا كبوة ... لم يستقلها من خطا الدهر )
( فاخط مع الدهر علىما خطا ... واجر مع الدهر كما يجري )
( ليس لما ليست له حيلة ... موجودة خير من الصبر )
وقال بشر بن المعتمر
( حيلة ما ليست له حيلة ... حسن عزاء النفس والصبر )
وقال صالح بن عبد القدوس
( وإن عناء ان تفهم جاهلا ... ويحسب جهلا انه منك أفهم )
( متىيبلغ البنيان يوما تمامه ... اذا كنت تبنيه واخر يهدم )
وقال بشر بن المعتمر
( واذا الغبي رأيته مستغنيا ... أعيا الطبيب وحيلة المحتال )
ومن المجانين مهدي بن الملوح الجعدي وهو مجنون بني جعدة وبنو المجنون قبيل من قبائل بني جعدة وهوغير هذا المجنون وأما مجنون بني عامر وبني عقيل فهو قيس بن معاذ وهو الذي يقال له مجنون بني عامر

وهما شاعران قيل ذلك لهما لتجننهما بعشيقتين كانتا لهما ولهما أشعار معروفة

رأي فيما كان يروي

وقد أدركت رواة المسجديين والمربديين ومن لم يرو أشعار المجانين ولصوص الاعراب ونسيب الاعراب والارجاز الاعرابية القصار وأشعار اليهود والاشعار المنصفه فانهم كانوا لا يعدونه من الرواة ثم استبردوا ذلك كله ووقفوا على قصار الاحاديث والقصائد والفقر والنتف من كل شيء ولقد شهدتهم وما هم على شيء أحرص منهم على نسيب العباس بن الاحنف فما هو الا ان أورد عليهم خلف الاحمر نسيب الاعراب فصار زهدهم في نسيب العباس بقدر رغبتهم في نسيب الاعراب ثم رأيتهم منذ سنيات وما يروي عندهم نسيب الاعراب الا حدث السن قد ابتدأ في طلب الشعر او فتياني متغزل
وقد جلست الى أبي عبيدة والأصمعي ويحيى بن نجيم وأبي مالك عمرو بن كركرة مع من جالست من رواة البغداديين فما رأيت احدا منهم قصد الى شعر في النسيب فأنشده وكان خلف يجمع ذلك كله ولم أر غاية النحويين الا كل شعر فيه إعراب ولم أرغاية رواة الأشعار الا كل شعر فيه غريب او معنى صعب يحتاج الى الاستخراج ولم أر غاية رواة الاخبار الا كل شعر فيه الشاهد والمثل ورأيت عامتهم - فقد طالت مشاهدتي لهم - لا يقفون الا على الالفاظ المتخيرة والمعاني المنتخبة وعلى الالفاظ العذبة والمخارج السهلة والديباجة الكريمة وعلى الطبع المتمكن وعلى السبك الجيد وعلى كل كلام له ماء ورونق وعلى المعاني التي اذا صارت في الصدور عمرتها وأصلحتها من الفساد القديم وفتحت للسان باب البلاغة ودلت الاقلام علىمدافن الالفاظ واشارت الى حسان المعاني ورأيت البصر بهذا الجوهر من الكلام في رواة الكتاب أعم وعلى ألسنة حذاق الشعراء اظهر ولقد رأيت ابا عمرو الشيباني يكتب اشعارا من أفواه جلسائه ليدخلها في باب التحفظ والتذاكر وربما خيل الي ان ابناء اولئك الشعراء لا يستطيعون ابدا ان يقولوا شعرا جيدا لمكان إغراقهم في أولئك الآباء
ولولا ان اكون عيابا ثم للعلماء خاصة لصورت لك في هذا الكتاب بعض

ما سمعت من أبي عبيدة ومن هو أبعد في وهمك من أبي عبيدة
قال ابن المبارك كان عندنا رجل يكنى ابا خارجة فقلت له لم كنوك أبا خارجة قال لأني ولدت يوم دخل سليمان بن علي البصرة
وكان عندنا شيخ حارس من علوج الجبل وكان يكنى أبا خزيمة فقلت لاصحابنا هل لكم في مسألة هذا الحارس عن سبب كنيته فلعل الله يفيد من هذا الشيخ علما وان كان في ظاهر الرأي غير مامول ولا مطمع وهذه الكنية كنية زرارة بن عدس وكنية حازم بن خزيمة وكنية حمزة بن ادرك وكنية فلان وفلان وكل هؤلاء إما قائد متبوع وإما سيد مطاع ومن أين وقع هذا العلج الألكن على هذه الكنية فدعوته فقلت له هذه الكنية كناك بها انسان او كنيت بها نفسك قال لا ولكني كنيت بها نفسي قلت فلم اخترتها على غيرها قال وما يدريني قلت ألك ابن يسمى خزيمة قال لا قلت افكان ابوك او عمك او مولى لك يسمى خزيمة قال لا قلت فاترك هذه الكنية وأكتن بأحسن منها وخذ مني دينارا قال والله ولا بجميع الدنيا
اعطى المحلول ابنه درهما وقال زنه فطرح وزن درهمين وهو يحبسه وزن درهم فلما رأى الدرهم قد شال وضع معه وزن درهم فلما رفعه وجده شائلا فألقى معه حبتين فقال أبوه كم فيه قال ليس فيه شيء وهو ينقص حبتين
وكان عندنا قاص يقال له موسى كوش فأخذ يوما في ذكر قصر الدنيا وطول أيام الاخرة وتصغير شأن الدنيا وتعظيم شأن الاخرة فقال ان الذي عاش خمسين سنة لم يعش شيئا وعليه فضل سنتين قالوا وكيف ذاك قال خمسا وعشرين سنة ليل هو فيها لا يعقل قليلا ولا كثيرا وخمس سنين قائلة وعشرين سنةإما ان يكون صبيا واما ان يكون معه سكر الشباب فهو لا يعقل ولا بد من صحبة بالغداة ونعسة بين المغرب والعشاء كالغشي الذي يصيب الانسان مرارا في دهره وغير ذلك من الآفات فاذا حصلنا ذلك فقد صح ان الذي عاش خمسين سنة لم يعش شيئا وعليه فضل سنتين
وقال بعض الهلاك دخل فلان على كسرى فقال أصلحك الله ما الامر

في كذا وكذا
قال رجل من وجوه أهل البصرة حدثت حادثة أيام الفرس فنادى كسرى الصلاة جامعة
وقلت لغلامي نفيس بعثتك الى السوق في حوائج فاشتريت ما لم آمرك به وتركت كل ما أمرتك به قال يا مولاي انا ناقة وليس في ركبتي دماغ وقال نفيس لغلام لي الناس ويلك أنت حياء كلهم أقل يريد انت أقل الناس كلهم حياء
وقلت لقيس بن بريهة هذا الصبي في أي شيء أسلموه قال في اصحاب سند نعال يريد في أصحاب النعال السندية

تأويل حديث

روى الآصعمي وابن الاعرابي عن رجالهما ان رسول الله قال إنا معشر الانبياء بكاء فقال ناس ألبك القلة وأصل ذلك من اللبن فقد جعل صفة الانبياء قلة الكلام ولم يجعله من إيثار الصمت ومن التحصيل وقلة الفضول قلنا ليس في ظاهر هذا الكلام دليل على ان القلة من عجز في الخلقة وقد يحتمل ظاهر الكلام الوجهين جميعا وقد يكون القليل من اللفظ يأتي على الكثير من المعاني والقلة تكون من وجهين أحدهما من جهة التحصيل والاشفاق من التكلف وعلى تصديق ذلك قوله تعالى ( قل ما اسألكم عليه من أجر وما انا من المتكلفين ) وعلى البعد من الصنعة ومن شدة المحاسبة وحصر النفس حتى يصير بالتمرين والتوطين الى عادة تناسب الطبيعة وتكون من جهة العجز ونقصان الآلة وقلة الخواطر وسوء الاهتداء الى جياد المعاني والجهل بمحاسن الالفاظ ألا ترى ان الله قد استجاب لموسى على نبينا وعليه السلام حين قال ( واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هرون أخي أشدد به أزري واشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى ) فلو كانت تلك القلة من عجز كان النبي أحق بمسألة اطلاق تلك العقدة من موسى لان العرب أشد فخرا ببيانها وطول ألسنتها وتصريف كلامها وشدة اقتدارها وعلى حسب ذلك كانت ذرايتها على

كل من قصر عن ذلك التمام ونقص من ذلك الكمال وقد شاهدوا النبي وخطبه الطوال في المواسم الكبار ولم يطل التماسا للطول ولا رغبة في القدرة على الكثير ولكن المعاني اذا كثرت والوجوه اذا أفتنت كثر عدد اللفظ وان حذفت فضوله بغاية الحذف ولم يكن الله ليعطي موسى لتمام ابلاغه شيئا لا يعطيه محمدا والذي بعث فيهم أكثر ما يعتمدون عليه البيان واللسن وإنما قلنا هذا لنحسم جميع وجوه الشغب لا ان أحدا من أعدائه شاهد هناك طرفا من العجز ولو كان ذلك مرئيا ومسموعا لاحتجوا به في الملا ولتناجوا به في الخلا ولتكلم به خطيبهم ولقال فيه شاعرهم فقد عرف الناس كثرة خطبائهم وتسرع شعرائهم
هذا على اننا لا ندري أقال ذلك رسول الله أم لم يقله لان مثل هذه الاخبار يحتاج فيها الى الخبر المكشوف والحديث المعروف ولكنا بفضل الثقة وظهور الحجة نجيب بمثل هذا وشبهه
وقد علمنا ان من يقرض الشعر ويتكلف الاسجاع ويؤلف المزدوج ويتقدم في تحبير المنثور وقد تعمق في المعاني وتكلف إقامة الوزن والذي تجود به الطبيعة وتعطيه النفس سهوا رهوا مع قلة لفظه وعد هجائه أحمد امرا وأحسن موقعا من القلوب وأنفع للمستمعين من كثير خرج بالكد والعلاج ولأن التقدم منه وجمع النفس له وحصر الفكر عليه لا يكون الا ممن يحب السمعة ويهوى الفلج والاستطالة وليس بين حال المتنافسين وبين حال المتحاسدين الا حجاب رقيق وحجاز ضعيف والانبياء بمندوحة من هذه الصفة وفي ضد هذه الشيمة
وقال عامر بن عبد قيس الكلمة اذا خرجت من القلب وقعت في القلب واذا خرجت من اللسان لم تجاوز الاذان
وتكلم رجل عند الحسن بمواعظ جمة ومعان تدعو الى الرقة فلم ير الحسن رق فقال الحسن اما ان يكون بنا شر او بك يذهب الى ان المستمع يرق على قدر رقة القائل
والدليل الواضح والشاهد القاطع قول النبي نصرت بالصبا وأعطيت جوامع الكلم وهو القليل الجامع للكثير وقال الله تعالى وقوله

الحق ( وماعلمناه الشعر ) ثم قال ( وما ينبغي له ) ثم قال ( ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) فعم ولم يخص وأطلق ولم يقيد فمن الخصال التي ذمهم بها تكلف الصنعة والخروج الىالمباهاة والتشاغل عن كثير من الطاعة ومناسبة أصحاب التشديق ومن كان كذلك كان أشد افتقارا الى السامع من السامع اليه لشغفه ان يذكر في البلغاء وصبابته باللحاق بالشعراء ومن كان كذلك غلبت عليه المنافسة والمغالبة وولد ذلك في قلبه شدة الحمية وحب المحاربة
ومن سخف هذا السخف وغلب الشيطان عليه هذه الغلبة كانت حاله داعية الى قول الزور والفخر بالكذب وصرف الرغبة الى الناس والافراط في مديح من اعطاه وذم من منعه فنزه الله رسوله ولم يعلمه الكتاب والحساب ولم يرغبة في صنعة الكلام والتقيد لطلب الالفاظ والتكلف لاستخراج المعاني فجمع له باله كله في الدعاء الى الله والصبر عليه والمجاهدة فيه والانبتات اليه والميل الى كل ما يقرب منه فأعطاه الاخلاص الذي لا يشوبه رياء واليقين الذي لا يعتوره شك والعزم المتمكن والقوة الفاضلة فاذا رأت مكانه الشعراء وفهمته الخطباء ومن قد تعبد للمعاني وتعود نظمها وتنضيدها وتأليفها وتنسيقها واستخراجها من مدافنها وإثارتها من اماكنها علموا انهم لا يبلغون بجميع ما معهم مما قد استفرغهم واستغرق مجهودهم وبكثير من قد خولوه قليلا ممايكون معه على البداهة والفجاءة من غير تقدم في طلبه واختلاف الى اهله
وكانوا مع تلك المقامات والسياسات ومع تلك الكلف والرياضيات لا ينفكون في بعض تلك المقامات من بعض الاستكراه والزلل ومن بعض التعقيد والخطل ومن التفنن والانتشار ومن التشديق والاكثار ورأوه مع ذلك يقول إياي والتشادق وأبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون ثم رأوه في جميع غاية في التسديد والصواب التام والعصمة الفاضلة والتأييد الكريم وعلموا ان ذلك من ثمرة الحكمة ونتاج التوفيق وان تلك الحكمة من ثمرة التقوى ونتاج الاخلاص
وللسلف الطيب حكم وخطب كثيرة صحيحة ومدخولة لا يخفى شأنها على نقاد الالفاظ وجهابذة المعاني متميزة عند الرواة الخلص وما بلغنا عن احد

من جميع الناس ان احدا ولد لرسول الله خطبة واحدة
فهذا وما قبله حجة في تأويل ذلك الحديث ان كان حقا
وفي كتاب الله المنزل ان الله تبارك وتعالى جعل منيحة داود الحكمة وفصل الخطاب كما أعطاه إلانة الحديد وفي الحديث المأثور والخبرالمشهور ان رسول الله قال شعيب خطيب الانبياء وعلم الله سليمان منطق الطير وكلام النمل ولغات الجن فلم يكن عز و جل ليعطيه ذلك ثم يبتليه في نفسه وبيانه عن جميع شأنه بالقلة والمعجزة ثم لا تكون تلك القلة الا على الإيثار منه للقلة في موضعها وعلى البعد من استعمال التكلف ومناسبة اهل الصنعة والمشغوفين بالسمعة وهذا لا يجوز على الله عز و جل فان كان الذي رويتم من قوله إنا معاشر الانبياء بكاء على ما تأولتم وذلك ان لفظ الحديث عام في جميع الانبياء فالذي ذكرنا من حال داود وسليمان عليهما السلام وحال شعيب والنبي دليل على بطلان تأويلكم ورد لعموم لفظ الحديث
وهذه جملة كافية لمن كان يريد الانصاف

تعليل امية النبي

وكان شيخ من البصريين يقول ان الله انما جعل نبيه أميا لا يكتب ولا يحسب ولا ينسب ولا يقرض الشعر ولا يتكلف الخطابة ولا يتعمد البلاغة لينفرد الله بتعليمه الفقه وأحكام الشريعة ويقصره على معرفة مصالح الدين دون ما تتباهى به العرب من قيافة الاثر وعيافة الطير ومن العلم بالانواء وبالخيل وبالانساب وبالاخبار وتكلف قول الاشعار ليكون اذا جاء بالقرآن الحكيم وتكلم بالكلام العجيب كان ذلك أدل على انه من الله وزعم ان الله لم يمنعه ادابهم واخبارهم واشعارهم ليكون انقص حظا من الحاسب والكاتب ومن الخطيب الناسب ولكن ليجعله نبيا وليتولى امر تعليمه بما هو ازكى وأنمى فانما نقصه ليزيده ومنعه ليعطيه وحجبه عن القليل ليجلي له الكثير

رد هذا التعليل وايراد تعليل اخر

وقد اخطأ هذا الشيخ ولم يرد الا الخير وقال بمبلغ علمه ومنتهى رأيه ولو زعم ان أداة الحساب والكتابة وأداة قريض الشعر وجميع النسب وقد

كانت فيه تامة وافرة مجتمعة كاملة ولكنه صرف تلك القوى وتلك الاستطاعة الى ما هو ازكى بالنبوة وأشبه بمرتبة الرسالة وكان اذا احتاج الىالبلاغة كان ابلغ البلغاء واذا احتاج الى الخطابة كان أخطب الخطباء وأنسب من كل ناسب وأقوف من كل قائف ولو كان في ظاهره والمعروف من شأنه انه كاتب حاسب وشاعر ناسب ومتفرس قائف ثم اعطاه الله برهانات الرسالة وعلامات النبوة لما كان ذلك مانعا من وجوب تصديقه ولزوم طاعته والانقياد لأمره على سخطهم ورضاهم ومكروههم ومحبوبهم ولكنه اراد ان لا يكون للشاعر متعلق عما دعا اليه حتى لا يكون دون المعرفة بحقه حجاب وان رق وليكون ذلك اخف في المؤونة وأسهل في المحنة فلذلك صرف نفسه عن الامور التي كانوا يتكلفونها ويتنافسون فيها فلما طال هجرانه لقريض الشعر وروايته صار لسانه لا ينطق به والعادة توأم الطبيعة فأما في غير ذلك فانه اذا شاء كان انطق من كل منطيق وأنسب من كل ناسب وأقوف من كل قائف وكانت الته أوفر وأداته اكمل إلا انها كانت مصروفة الى ما هو أبعد وبين ان يضيف اليه العادة الحسنة وامتناع الشيء عليه من طول الهجران له فرق
ومن العجب ان صاحب هذه المقالة لم يره عليه السلام في حال معجزة قط بل لم يره إلا وهو ان أطال الكلام قصر عنه كل مطيل وان قصر القول اتىعلىغاية كل خطيب وما عدم منه الا الخط وإقامة الشعر فكيف ذهب ذلك المذهب والظاهر من امره عليه السلام غير ما توهم
وسنذكر بعض ما جاء في تفضيل الشعر والخوف منه ومن اللسان البليغ والمداراة له وما اشبه ذلك

تفضيل الشعر ومداراة البليغ

قال أبو عبيدة اجتمع ثلاثة من بني سعد يراجزون بني جعدة فقيل لشيخ من بني سعد ما عندك قال أرجز بهم يوما الى الليل لا أفئج وقيل للاخر ما عندك قال أرجز بهم يوما الى الليل لا أنكف فقيل للثالث ما عندك قال ارجز بهم يوما الىالليل لا أنكش فلما سمعت بنو جعدة كلامهم انصرفوا وخلوهم

قال وبنو ضرار احد بني ثعلبة بن سعد لما مات أبوهم وترك الثلاثة الشعراء صبيانا وهم شماخ ومزرد وجزء أرادت أمهم وهي أم أوس ان تتزوج رجلا يسمى أوسا وكان أوس هذا شاعرا فلما رآه بنو ضرار بفناء امهم للخطبة تناول شماخ حبل الدلو ثم متح وهو يقول
( أم أويس نكحت أويسا ... )
وجاء مزرد فتناول الحبل فقال
( أعجبها حذارة وكيسا ... )
وجاء جزء فتناول الحبل فقال
( أصدق منها لجبة وتيسا ... )
فلما سمع أويس رجز الصبيان بها هرب وتركها
قال ابو عبيدة كان الرجل من بني نمير اذا قيل له ممن الرجل قال نميري كما ترى فما هو إلا ان قال جرير
( فغض الطرف انك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا )
فصار الرجل من بني نمير اذا قيل له ممن الرجل قال من بني عامر قال فعند ذلك قال الشاعر يهجو قوما اخرين
( وسوف يزيدكم ضعة هجائي ... كما وضع الهجاء بني نمير )
فلما هجاهم ابو الرديني العكلي فتوعدوه بالقتل قال ابوالرديني
( أتوعدني لتقتلني نمير ... متى قتلت نمير من هجاها )
فشد عليه رجل منهم فقتله وما علمت في العرب قبيلة لقيت من جميع ما هجيت به ما لقيت نمير من بيت جرير ويزعمون ان امرأة مرت بمجلس من مجالس بني نمير فتأملها ناس منهم فقالت يا بني نمير لا قول الله سمعتم ولا قول الشاعر أطعتم قال الله تعالى ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) وقال الشاعر
( فغض الطرف انك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا )
وأخلق بهذا الحديث ان يكون مولدا ولقد أحسن من ولده وفي نمير شرف كثير وهل أهلك عنزة وجرما وعكلا وسلول وباهلة وغنيا الا الهجاء وهذه قبائل فيها فضل كثير وبعض النقص فمحق ذلك الفضل كله هجاء الشعراء وهل فضح الحبطات مع شرف حسكة بني عتاب وعباد بن الحصين وولده الا قول الشاعر
( رأيت الخمر من شر المطايا ... كما الحبطات شر بني تميم )

وهل أهلك ظليم البراجم الا قول الشاعر
( ان ابانا فقحة لدارم ... كما الظليم فقحة البراجم )
وهل اهلك بني العجلان الا قول الشاعر
( اذا الله عادى أهل لؤم ودقة ... فعاد بني العجلان رهط ابن مقبل )
( قبيلته لا يغدرون بذمة ... ولا يظلمون الناس حبة خردل )
( ولا يردون الماء الا عشية ... اذا صدر الوراد عن كل منهل )
واما قول الاخطل
( وقد سرني من قيس عيلان أنني ... رايت بني العجلان سادوا بني بدر )
فان هذا البيت لم ينفع بني العجلان ولم يضر بني بدر
قال ابوعبيدة كان الرجل من بني أنف الناقة اذا قيل له ممن الرجل قال من بني قريع فما هو الا ان قال الحطيئة
( قوم هم الأنف والاذناب غيرهم ... ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا )
فصار الرجل منهم اذا قيل له ممن أنت قال من بني أنف الناقة
وناس سلموا من الهجاء بالخمول والقلة كما سلمت غسان وغيلان ومن قبائل عمرو بن تميم وابتليت الحبطات لأنها أنبه والنباهة التي لا يضر معها الهجاء مثل نباهة بني بدر وبني فزارة ومثل نباهة بني عدس بن زيد وبني عبد الله بن دارم ومثل نباهة الديان بن عبد المدان وبني الحرث بن كعب فليس يسلم من مضرة الهجاء الا خامل جدا او نبيه جدا وقد هجيت فزارة بأكل أير الحمار وبكثرة شعر القفا لقول الحرث بن ظالم
( فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشعر الرقاب )
ثم افتخر مفتخرهم بذلك ومدحهم به الشاعر فقال مزرد بن ضرار
( منيع بين ثعلبة بن سعد ... وبين فزارة الشعر الرقاب )
( فما من كان بينكما بنكس ... لعمرك في الخطوب ولا بكاب )
وأماقصة أير الحمار فانما اللوم على المطعم لرفيقة ما لا يعرفه فهل كان علىالفزاري في حق الأنفة أكثر من قتل من أطعمه الجوفان من حيث لا يدري فقد هجوا بذلك وشرفهم وافر وقد هجيت الحرث بن كعب وكتب الهيثم ابن عدي فيهم كتابا فما ضعضع ذلك منهم حتى كأنه قد كتبه لهم

ولولا الربيع بن خيثم وسفيان الثوري ماعلم الناس أن في الرباب حيا يقال لهم بنو ثور
وفي عكل شعر وفصاحة وخيل معروفة الانسان فرسان في الجاهلية والاسلام وزعم يونس ان عكلا أحسن العرب وجوها في غب حرب وقال بعض فتاك بني تميم
( خليلي الفتى العكلي لم أر مثله ... تحلب كفاه ندى شائع القدر )
( كأن سهيلا حين أوقد ناره ... بعلياء لا يخفى على احد يسري )
ولم أكتب هذاالشعر ليكون شاهدا علىمقدار حظهم في الشرف ولكن لنضمه الى قول جران العود
( أراقب لمحا من سهيل كأنه ... اذا ما بدا اخر الليل يطرف )
وربما أتيت القبيلة اذا برزت عليها اخوتها كنحو فقيم بن جرير بن دارم وزيد بن عبد الله بن دارم وكنحو الحرماز ومازن ولذلك يقال ان اصلح الامور لمن تكلف علم الطب ان لا يحسن منه شيئا او يكون من الحذاق المتطببين فانه اذا احسن منه شيئا ولم يبلغ فيه المبالغ هلك وأهلك اهله وكذلك العلم بصناعة الكلام وليس كذلك سائر الصناعات فليس يضر من احسن باب الفاعل والمفعول به وباب الاضافة وباب المعرفة والنكرة ان يكون جاهلا بسائر ابواب النحو وكذلك من نظر في علم الفرائض فليس يضر من احكم باب الصلب ان يجهل باب الجد وكذلك الحساب وهذا كثير
وذكروا ان حزن بن الحرث احد بني العنبر ولد محجنا فولد محجن شعيث ابن سهم فأغير على ابله فأتى اوس بن حجر يستنجده فقال له اوس او خير من ذلك احضض لك قيس بن عاصم
وكان يقال ان حزن الحرث هو حزن بن منقر فقال اوس
( سائل بها مولاك قيس بن عاصم ... فمولاك مولى السوء ان لم تغير )
( لعمرك ما أدري أمن حزن محجن ... شعيث بن سهم ام لحزن بن منقر )
( فما أنت بالمولى المضيع حقه ... وما أنت بالجاري الضعيف المستر )
فسعى قيس في ابله حتى ردها عن اخرها
وقال الاخر

( ألهى بني تغلب عن كل مكرمة ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم )
ومما يدل على قدر الشعر عندهم بكاء سعيد بني مازن مخارق بن شهاب حين أتاه محمد بن المكعبر العنبري الشاعر فقال ان بني يربوع قد أغاروا على إبلي فاسع لي فيها فقال وكيف وأنت جار وردان بن مخرمة فلما ولى عنه محمد مخزونا بكى مخارق حتى بل لحيته فقالت له ابنته ما يبكيك فقال وكيف لا ابكي واستغاثني شاعر من شعراء العرب فلم أغثه والله لئن هجاني ليفضحنني قوله ولئن كف عني ليقتلني شكره ثم نهض فصاح في بني مازن فردت عليه إبله وذكر وردان الذي كان اخفره فقال
( أقول وقد بزت بتعشار بزة ... لوردان جد الآن فيها او إلعب )
( فعض الذي أبقى المواسي مر أمه ... خفير راها لم يشمر ويغضب )
( اذا نزلت وسط الرباب وحولها ... اذا حصنت الفا سنان مجرب )
( حميت خزاعيا وأفناء مازن ... ووردان يحمي عن عدي بن جندب )
( ستعرفها ولدان ضبة كلها ... بأعيانها مردودة لم تغيب )
قال وفد رجل من بني مازن علىالنعمان بن المنذر فقال له النعمان كيف مخارق بن شهاب فيكم قال سيد كريم وحسبك من رجل يمدح نفسه ويهجو ابن عمه ذهب الى قوله
( ترى ضيفها فيها يبيت بغبطة ... وجار ابن قيس جائع يتحوب )
قال ومن قدر الشعر وموقعه في النفع والضر ان ليلى بنت النضر بن الحرث بن كلدة لما عرضت للنبي وهو يطوف بالبيت واستوقفته وجذبت رداءه حتى انكشفت منكبه وأنشدته شعرها بعد مقتل أبيها قال رسول الله لو كنت سمعت شعرها هذا ما قتلته والشعر
( يا راكبا ان الاثيل مظنة ... من صبح خامسة وأنت موفق )
( أبلغ بها ميتا بأن قصيدة ... ما ان تزال بها الركائب تخفق )
( فليسمعن النضر ان ناديته ... ان كان يسمع ميت لا ينطق )
( ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقق )
( قسرا يقاد الى المنية متعبا ... رسف المقيد وهوعان موثق )
( أمحمد ها أنت ضنؤ نجيبة ... في قومها والفحل فحل معرق )

( ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق )
قال ويبلغ من خوفهم من الهجاء ومن شدة السب عليهم وتخوفهم ان يبقى ذكر ذلك في الاعقاب ويسب به الاحياء والاموات أنهم اذا أسروا الشاعر أخذوا عليه المواثيق وربما شدوا لسانه بنسعة كما صنعوا بعبد يغوث ابن وقاص المحاربي حين أسرته بنو تيم يوم الكلاب وهو الذي يقول
( أقول وقد شدوا لساني بنسعة ... أمعشر تيم أطلقوا من لسانيا )
( وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم تر قبلي اسيرا يمانيا )
( كأني اركب جوادا ولم اقل ... لخيلي كري كرة عن رجاليا )
( فيا راكبا إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران ان لا تلاقيا )
( أبا كرب والأيهمين كليهما ... وقيسا بأعلى حضرموت اليمانيا )
وكان سألهم ان يطلقوا لسانه لينوح على نفسه ففعلوا فكان ينوح بهذه الابيات فلما أنشد قومه هذا الشعر قال قيس لبيك وان كنت أخرتني
وقيل لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود كيف تقول الشعر مع الفقه والنسك فقال لا بد للمصدور من ان ينفث
وقال معاوية لصحار العبدي ما هذا الكلام الذي يظهر منك قال شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا
وقال ابن حرب من أحسن شيئا اظهره
وفي المثل من أحب شيئا أكثر ذكره
وقال خاصم ابو الحويرث السحيمي حمزة بن بيض الى المهاجرين عبد الله في طوي له فقال أبو الحويرث
( أغمضت في حاجة كانت تؤرقني ... لولا الذي قلت فيها قل تغميضي )
قال وما قلت لك قال
( حلفت بالله لي ان سوف تنصفني ... فساغ في الحلق ريق بعد تجريض )
قال وأنا احلف بالله لانصفنك قال
( فاسأل ألى عن ألى ان خصومتهم ... ام كيف أنت واصحاب المعاريض )
قال أوجعهم ضربا قال
( فاسأل سحيما اذا وافاك جمعهم ... هل كان بالبئر حوض قبل تحويضي )

قال فتقدمت الشهود فشهدت لأبي الحويرث قال فالتفت الى ابن بيض فقال
( أنت ابن بيض لعمري لست انكره ... حقا يقينا ولكن من أبو بيض )
( ان كنت أنبضت لي قوسا لترميني ... فقد رميتك رميا غير تنبيض )
( أوكنت خضخضت لي وطبا لتسقيني ... فقد سقيتك وطبا غيرممخوض )
( ان المهاجر عدل في حكومته ... والعدل يعدل عندي كل تعريض )
قال وتزوج شيخ من الاعراب جارية من رهطه وطمع ان تلد له غلاما فولدت له جارية فهجرها وهجر منزلها وصار يأوي الى غير بيتها فمر بخبائها بعد حول واذا هي ترقص بنيتها منه وهي تقول
( ما لأبي حمزة لا يأتينا ... يظل في البيت الذي يلينا )
( غضبان ان لا نلد البنينا ... تالله ما ذلك في أيدينا )
( وإنما نأخذ ما أعطينا ... )
فلما سمع الأبيات مر الشيخ نحوهما حضرا حتى ولج عليها الخباء فقبلها وقبل بنيتها وقال ظلمتكما ورب الكعبة
وقال مسلم بن الوليد
( فاني وإسماعيل عند فراقنا ... لكا لجفن يوم الورع فارقه النصل )
( أمنتجعا مروا بأثقال همه ... دع النقل واحمل حاجة مالها ثقل )
( ثناء كعرف الطيب يهدى لأهله ... وليس له الا بني خالد اهل )
( فان أغش قوما بعدهم او أزورهم ... فكالوحش يدينها من الأنس المحل )
وقال ابن أبي عيينة
( هل كنت الا كلحم ميت ... دعا الى أكله اضطرار )
وقال الاخر
( لئن حبس العباس عنا رغيفه ... لما فاتنا من نعمة الله أكثر )
وقال أبو كعب كان رجل يجري على رجل رغيفا في كل يوم فكان اذا اتاه الرغيف يقول لعنك الله ولعن من بعثك ولعنني ان تركتك حتى أصيب خيرا منك
وقال بشار

( أذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن ... برأي نصيح او نصيحة حازم )
( ولا تحسب الشورى عليك غضاضة ... فان الخوافي عدة للقوادم )
( وخل الهوينا للضعيف ولا تكن ... نؤوما فان الحزم ليس بنائم )
( وأدن على القربى المقرب نفسه ... ولا تشهد الشورى امرأ غير كاتم )
( وما خير كف أمسك الغل اختها ... وما خير سيف لم يؤبد بقائم )
( فانك لا تستطرد الهم بالمنى ... ولا تبلغ العليا بغير المكارم )
وقال اخر
( تعرفني هنيدة من بنوها ... وأعرفها اذا اشتد الغبار )
( متى ما تلق منا ذا ثناء ... يؤز كأن رجليه شجار )
( فلا تعجل عليه فان فيه ... منافع حين يبتل العذار )
( انا ابن المضرحي ابي شليل ... وهل يخفي على الناس النهار )
( ورثنا صنعه ولكل فحل ... على اولاده منه نجار )
وقال أعشى همدان في خالد بن عتاب بن ورقاء
( تمنيني إمارتها تميم ... وما أمري وأمر بني تميم )
( وكان ابو سليمان خليلي ... ولكن الشراك من الأديم )
( أتينا أصبهان فهزلتنا ... وكنا قبل ذلك في نعيم )
( اتذكرنا ومرة اذ غزونا ... وأنت على بغيلك ذي الشؤوم )
( ويركب رأسه في كل وحل ... ويعثر في الطريق المستقيم )
( وليس عليك الا طيلسان ... نصيبي وإلا سحق نيم )
وقال اخر
( فلست مسلما ما دمت حيا ... على زيد بتسليم الأمير )
( أمير يأكل الفالوذ سرا ... ويطعم ضيفه خبزالشعير )
( اتذكر اذ قباؤك جلد شاة ... واذ نعلاك من جلدالبعير )
( فسبحان الذي أعطاك ملكا ... وعلمك الجلوس على السرير )
وقال اخر
( دع عنك مروان لا تطلب امارته ... ففيك راع لها ما عشت شرشور )
( ما بال بردك لم يمسس حواشيه ... من ثرمداء ولا صنعاء تحبير )

وقال ابن فنان المحاربي
( وأقول لما جئت مجلسهم ... قبح الإله عمائم الخز )
( لولا قتيبة ما اعتجرت بها ... ابدا ولا أقعيت في غرز )
( عجبا لهذا الخز يلبسه ... من كان مشتاقا الىالخبز )
( من كان يشتو في عبائته ... متقبضاكتقبض العنز )
وقال ثابت قطنه في رجل كان المهلب ولاه بعض خراسان
( ما زال رأيك يا مهلب فاضلا ... حتى بنيت سرادقا لوكيع )
( وجعلته ربا على أربابه ... ورفعت عبدا كان غير رفيع )
( لو را أبوه سرادقا احدثته ... لبكى وفاضت عينه بدموع )
وقال ابن سيخان مولى المغيرة في بني مطيع العدويين
( حرام كتي مني بشوء ... وأذكر صاحبي أبدا بذام )
( لقد حرمت ود بني مطيع ... حرام الدهن للرجل الحرام )
( وخزهم الذي لم يشتروه ... ومجلسهم بمعتلج الظلام )
( وان جنف الزمان مددت حبلا ... متينا من حبال بني هشام )
( وريق عودهم ابدا رطيب ... اذا ما اغبر عيدان اللئام )
وقال اخر
( لمن جزر ينحرها سويد ... ألا يا مر للمجد المضاع )
( كأنك قد سعيت بذمتيهم ... وكنت ثمال أيتام جياع )
وقال
( سبحان من سبح السبع الطباق له ... حتى لهرثمة الذهلي أبواب )
وأنشدنا الاحيمر
( بأقب منصلت اللبان كأنه ... سيد تنصل من جحور سعالي )
وقال خلف لم أر بيتا أفاد وجاد وساد وزاد وقاد وعاد ولا أفضل من قول امرىء القيس
( له أيطلا ظبي وساقا نعامة ... وإرخاء سرحان وتقريب تتفل )
وقال الاخر
( رمى الفقر بالفتيان حتى كأنهم ... بأقطار آفاق البلاد نجوم )

( وان امرأ لم يفقر العام بيته ... ولم يتخدد لحمه للئيم )
وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي
( وليلة من ليال الدهر صالحة ... باشرت في هولها مرأى ومستمعا )
( ونكبة لو رمى الرامي بها حجرا ... أصم من جندل الصمان لانصدعا )
( مرت علي فلم أطرح لهم سلبي ... ولا استكنت لها وهنا ولا جزعا )
( وما أزال على أرجاء مهلكة ... يسائل المعشر الاعداء ما صنعا )
( ولا رميت على خصم بفاقرة ... الارميت بخصم فر لي جذعا )
( ما سد مطلع يخشى الهلاك به ... الا وجدت بظهر الغيب مطلعا )
( لا يملأ الهول قلبي قبل وقعته ... ولا يضيق له صدري اذا وقعا )
وقال الاخر
( لقد طال إعراضي وصفحي عن التي ... ابلغ عنكم والقلوب قلوب )
( وطال انتظاري عطفة الرحم منكم ... ليرجع ود او ينيب منيب )
( فلا تأمنوا مني عليكم شبيهها ... فيرضى بغيض او يساء حبيب )
( ويظهر منا في المقال ومنكم ... اذا ما ارتمينا في النضال عيوب )
( فان لسان الباحث الداء ساخطا ... بني عمنا ألوى البيان كذوب )
وقال الاشهب بن رميلة
( وان الألى حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد )
( هم ساعد الدهر الذي يتقي به ... وما خير كف لا تنوء بساعد )
( أسود شرى لاقت اسود خفية ... تساقوا على حرد دماء الأساود )
قوله هم ساعد الدهر انما هو مثل وهذا الذي تسميه الرواة البديع وقد قال الراعي
( هم كاهل الدهر الذي يتقي به ... ومنكبه ان كان للدهر منكب )
وقد جاء في الحديث موسى الله احد وساعد الله اشد والبديع مقصور علىالعرب ومن اجله فاقت لغتهم كل لغة وأربت على كل لسان والراعي كثير البديع في شعره وبشار حسن البديع والعتابي يذهب شعره في البديع وقال كعب بن عدي
( شد العقاب علىالبريء بمن جبى ... حتى يكون لغيره تنكيلا )

( والجهل في بعض الامور اذا اغتدى ... مستخرج للجاهلين عقولا )
وقال زفر بن الحرث
( لئن عدت والله الذي فوق عرشه ... منحتك مسنون الغرارين أزرقا )
( فان دواء الجهل ان تضرب الطلا ... وان يغمس العريض حتى يغرقا )
وقال مبذول العذري
( ومولى كضرس السوء يؤذيك مسه ... ولا بد ان آذاك انك فاقره )
( دوى الجوف ان ينزع يسؤك مكانه ... وان يبق يصبح كل يوم تحاذره )
( يسر لك البغضاء وهو مجامل ... وما كل من يجني عليك تساوره )
( وما كل من مددت ثوبك دونه ... لتستر مما قد أتى انت ساتره )
وقال الاخر
( أطال الله كيس بني رزين ... وحمقي ان شربت لهم بديني )
( أأكتب إبلهم شاء وفيها ... بريع فصالها بنتا لبون )
( فما خلقوا بكيسهم دهاة ... ولا ملجاء بعد فيعجبوني )
وقال اخر
( عفاريتا علي وأكل مالي ... وعجزا عن أناس اخرينا )
( فهلا غير عمكم ظلمتم ... اذا ما كنتم متظلمينا )
( فلو كنتم لكيسه أكاست ... وكيس الأم أكيس للبنينا )
وقالت رقية بنت عبد المطلب في النبي
( أبني إني رابني حجر ... يغدو بكفك حيثما يغدو )
( وأخاف ان تلقى غويهم ... او ان يصيبك بعد من يعدو )
ولما دخل مكة لقيه جواريها يقلن
( طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع )
( وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع )
يضاف الى باب الخطب والى القول في تلخيص المعاني والخروج من الامر المشبه بغيره قول حسان بن ثابت
( ان خالي خطيب جابية الجو ... لان عند النعمان حين يقوم )
( وهو الصقر عند باب ابن سلمى ... يوم نعمان في الكبول سقيم )

( وسطت نسبتي الذوائب منهم ... كل دار فيها أب لي عظيم )
( وأبي في سميحة القائل الفاصل ... يوم التفت عليه الخصوم )
( يفصل القول بالبيان وذو الرأي ... من القوم ظالع مكعوم )
( تلك أفعاله وفعل الزبعرى ... خامل في صديقه مذموم )
( رب حلم أضاعه عدم المال ... وجهل غطى عليه النعيم )
( ولي الناس منكم اذ أبيتم ... أسرة من بني قصي صميم )
( وقريش يحول منا لو اذا ... أن يقيموا وخف منها الحلوم )
( لم يطق حمله العواتق منهم ... إنما يحمل اللواء النجوم )
ولما دفن سليمان بن عبد الملك أيوب وقف ينظر الى القبر ثم قال
( كنت لنا أنسا ففارقتنا ... فالعيش من بعدك مر المذاق )
وقربت دابته فركب ووقف على قبره وقال
( وقوفا على قبر مقيم بقفرة ... متاع قليل من حبيب مفارق )
ثم قال وعليك السلام ثم عطف رأس دابته وقال
( فان صبرت فلم الفظك من شبع ... وان جزعت فعلق منفس ذهبا )
قال المدائني لما مات محمد بن الحجاج جزع عليه فقال اذا غسلتموه فاعلموني فلما نظر اليه قال
( الآن لما كنت أكرم من مشى ... وافتر نابك عن شباة القارح )
( وتكاملت فيك المروءة كلها ... وأعنت ذلك بالفعال الصالح )
ثم أتاه موت أخيه محمد بن يوسف فقال
( حسبي ثواب الله من كل ميت ... وحسبي بقاء الله من كل هالك )
( اذا ما لقيت الله عني راضيا ... فان شفاء النفس فيما هنالك )
تمثل معاوية في عبد الله بن بديل
( أخو الحرب ان عضت به الحرب عضها ... وان شمرت عن ساقها الحرب شمرا )
( ويدنو اذا ما الموت لم يك دونه ... قدى الشبر يحمي الأنف ان يتأخرا )
ورأى معاوية هزاله وهو متعر فقال
( أرى الليالي اسرعت في نقضي ... اخذن بعضي وتركن بعضي )
( حنين طولي وتركن عرضي ... اقعدنني من بعد طول النهض )

وتمثل عبد الملك حين وثب بعمرو بن سعيد الاشدق
( سكنته ليقل مني نفره ... فأصول صولة حازم مستمكن )
( وحميته عضبا لنفسي انه ... ليس المسيء سبيله كالمحسن )
وسمع معاوية رجلا يقول
( ومن كريم ماجد سميدع ... يؤتى فيعطي من ندى ويمنع )
فقال هذا منا هذا والله عبد الله بن الزبير

وصف معاوية لقومه

قال المدائني قال معاوية اذا لم يكن الهاشمي جوادا لم يشبه قومه واذا لم يكن المخزومي تياها لم يشبه قومه واذا لم يكن الأموي حليمالم يشبه قومه فبلغ قوله الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما فقال ما احسن ما نظر لنفسه اراد ان تجود بنو هاشم بأموالها فتفتقر الى ما في يديه وتزهو بنو مخزوم علىالناس فتبغض وتشنأ وتحلم بنو أمية فتحب
وقال بشار
( أحسن صحابتنا فانك مدرك ... بعض اللبانة باصطناع الصاحب )
( واذا جفوت قطعت عنك لبانتي ... والدر يقطعه جفاء الحالب )
( تأنى اللئيم وما سعى حاجاته ... عدد الحصى ويخيب سعي الدائب )
وأنشد
( اذا ما أمور الناس رثت وضيعت ... وجدت أموري كلها قد رممتها )
وقال أعرابي
( ندين ويقضي الله عنا وقد نرى ... مكان رجال لا يدينون ضيعا )
وقال أعرابي
( وليس قضاء الدين بالدين راحة ... ولكنه ثقل ممض الى ثقل )
وأنشد أبو عبيدة لعبيد العنبري وهو احد اللصوص
( يا رب عفوك عن ذي توبة وجل ... كأنه من حذار الناس مجنون )
( قد كان اسلف أعمالا مقاربة ... أيام ليس له عقل ولا دين )
وقال أعرابي (
يا رب قد حلف الأقوام واجتهدوا ... أيمانهم أنني من ساكني النار )

( أيحلفون علىعمياء ويلهم ... جهلا يعفوا عظيم العفو غفار )
وقال أعرابي وهو محبوس
( أسجنا وقيدا واغترابا ووحشة ... وذكرى حبيب ان ذا لعظيم )
( وان امرأ دامت مواثيق عهده ... على كل ما لاقتيه لكريم )
وقال اعرابي
( أيا ام عمرو بيني أنت كلما ... ترفع حاد او دعا كل مسلم )
( نظرت اليها نظرة ما يسرني ... وان كنت محتاجا بهاألف درهم )
وقال الشاعر
( وما كثرة الشكوى بأمر حزامة ... ولا بد من شكوى اذا لم تكن صبر )
ومثله
( وأبثثت بكرا كل ما في جوانحي ... وجرعته من مر ما أتجرع )
( ولا بد من شكوى الى ذي حفيظة ... اذا جعلت أسرار نفس تطلع )
وقال الشاعر
( حسدوا الفتى اذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم )
( كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغيا إنه لدميم )
وقال بزر جمهر ما رأينا أشبه بالمظلوم من الحاسد
وقال الاحنف بن قيس لا راحة لحسود
وقال الشعبي الحاسد منغص بما في يد غيره
وقال الله تبارك وتعالى ( ومن شر حاسد اذا حسد )
وقال بعضهم يمدح أقواما
( محسدون وشر الناس منزلة ... من عاش في الناس يوما غير محسود )
وقال الشاعر
( الرزق يأتي قدرا على مهل ... والمرء مطبوع علىحب العجل )
وقالوا من تمام المعروف تعجيله
ووصف بعض الاعراب أميرا فقال اذا اوعد أخر واذا وعد عجل وعيده عفو ووعده انجاز
وقال تبارك وتعالى ( وكان الانسان عجولا )

ودخل عمرو بن عبيد على المنصور وهو يومئذ خليفة - وروى هذا الحديث العتبي عن عتبة بن هرون قال شهدته وقد خرج من عنده فسألته عما جرى بينهما فقال رأيت عنده فتى لم أعرفه فقال لي يا أبا عثمان أتعرفه فقلت لا فقال هذا ابن أميرالمؤمنين وولي عهد المسلمين فقلت له قد رضيت له أمرا يصير اليه اذا صار وقد شغلت عنه فبكى ثم قال عظني يا أبا عثمان فقلت ان الله قد اعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها فلو ان هذا الامر الذي صار اليك بقي في يدي من كان قبلك لم يصل اليك وتذكر يوما يتمخض بأهله لا ليلة بعده
قال المدائني سمعت أعرابيا يسأل وهويقول رحم الله امرأ لم تمج أذنه كلامي وقدم لنفسه معاذة من سوء مقامي فان البلاد مجدبة والحال سيئة والعقل زاجر ينهى عن كلامكم والفقر عارم يحملني علىأخباركم والدعاء احد الصدقتين فرحم الله امرءا امر بمير او دعا بخير
وقال رجل من طيء
( قتلنا بقتلانا من القوم مثلهم ... كراما ولم نأخذ بهم حشف التمر )
وقال اخر
( قتلنا بهم ما بين مثنى وموحد ... وأربعة منهم وآخر خامس )
وقال اخر
( قتلنا رجالا من تميم أخايرا ... بقوم كرام من رجال أخاير )
وسئل بعض العرب ما العقل قال الاصابة بالظنون ومعرفة مالم يكن بما قدكان
وقال جرير يعاتب المهاجر بن عبد الله
( يا قيس عيلان إني قد نصبت لكم ... بالمنجنيق ولما أرسل الحجرا )
فوثب المهاجر فأخذ بحقوه وقال لك العتبى يا أبا حزرة لا ترسله وقال سويد بن صامت
( ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري )
( مقالته كالشحم ما دام شاهدا ... وبالغيب مأثور على ثغرة النحر )
( تبين لك العينان ما هو كاتم ... من الشر والبغضاء بالنظر الشزر )

( يسرك باديه وتحت أديمه ... نميمة غش تبتري عقب الظهر )
( فرشني بخير ظالما قد بريتني ... وخير الموالي من يريش ولا يبري )
وقال حارثة بن بدر لما تخالفت الازد وربيعة
( لا تحسبن فؤادي طائرا فزعا ... اذا تخالف ضب البر والنون )
وأنشد ابن الاعرابي
( فان أك قصدا في الرجال فانني ... اذا حل أمر ساحتي لحليم )
( تعيرني الاعدام والوجه معرض ... وسيفي بأموال التجار زعيم )
وأنشدابن الاعرابي لعمرو بن شاس
( متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... اذا كنت تبنيه واخر يهدم )
وقال عبيد بن الابرص
( ساعد بأرض اذا كنت بها ... ولا تقل انني غريب )
( قد يوصل النازح النائي وقد ... يقطع ذو السهمة القريب )
وأنشدالاصمعي لكثير
( رأيت أبا الوليد غداة جمع ... به شيب وقد فقد الشبابا )
( ولكن تحت ذاك الشيب حزم ... اذا ما ظن أمرض او أصابا )
ويمدحون باصابة الظن ويذمون بخطئه قال أوس بن حجر
( ألألمعي الذي يظن بك الظن ... كأن قد رأى وقد سمعا )
وفي بعض الحكمة من لم ينتفع بظنه لم ينتفع بيقينه
وقال السموأل بن عادياء
( وإنا لقوم ما نرى القتل سبة ... اذا مارأته عامر وسلول )
( يقرب حب الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول )
( تسيل على حد السيوف نفوسنا ... وليست على غير السيوف تسيل )
( وما مات منا سيد في فراشه ... ولا طل منا حيث كان قتيل )
وقال حسان بن ثابت
( لم تقتها شمس النهار بسيء ... غير ان الشباب ليس يدوم )
( لو يدب الحولي من ولد الذر ... عليها لأندبتها الكلوم )
وقال بشار بن برد

( من فتاة صب الجمال عليها ... في حديث كلذة النشوان )
( ثم فارقت ذاك غير ذميم ... كل عيش الدنيا وان طال فان )
وقال مزاحم العقيلي
( تزين سنا الماوي كل عشية ... على غفلات الزين والمتجمل )
( وجوها لو ان المدلجين اعتشوا بها ... صدعن الدجى حتى ترى الليل ينجلي )
وقال المسعودي
( ان الكرام منا هبوك المجد كلهم فناهب ... )
( أخلف وأتلف كل شيء زعزعته الريح ذاهب ... )
خطبة شداد بن أوس

قال

قام شداد بن أوس وقد أمره معاوية ان ينتقص عليا فقال
الحمد لله الذي افترض طاعته على عباده وجعل رضاه عند أهل التقوى آثر من رضى خلقه على ذلك مضى أولهم وعليه يمضي اخرهم أيها الناس ان الاخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر وان الدنيا عرض حاضر يأكل فيها البر والفاجر وان السامع المطيع لله لا حجة عليه وان السامع العاصي لله لا حجة له وانا لله اذا أراد بالعباد صلاحا عمل عليهم صلحاؤهم وقضى بينهم فقهاؤهم وملك المال سمحاؤهم واذا أراد بهم شرا عمل عليهم سفهاؤهم وقضى بهم جهلاؤهم وملك المال بخلاؤهم وان من صلاح الولاة ان يصلح قرناؤها ونصح لك يا معاوية من اسخطك بالحق وغشك من أرضاك بالباطل قال إجلس رحمك الله قد أمرنا لك بمال قال ان كان من مالك الذي تعهدت جمعه مخافة تبعته فأصبته حلالا وأنفقته إفضالا فنعم وان كان مما شاركك فيه المسلمون فاحتجنته دونهم فأصبته افترافا وأنفقته إسرافا فإن الله يقول في كتابه ( ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين )
وأذن معاوية للأحنف بن قيس وقد وافى معاوية محمد بن الاشعث فقدمه عليه فوجد من ذلك محمد بن الاشعث واذن له فدخل فجلس بين معاوية والاحنف فقال معاوية إنا والله ما أذنا له قبلك الا ليجلس إلينا دونك وما رأيت احدا يرفع نفسه فوق قدرها الا من ذلة يجدها وقد فعلت فعل من أحس من نفسه ذلا وضعه وإنا كما نملك أموركم نملك تأديبكم فأريدوا

منا ما نريده منكم فانه أبقى لكم والا قصرناكم كرها فكان أشد عليكم وأعنف بكم
وقال معاوية لرجل من أهل سبأ ما كان أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة فقال بل قومك أجهل قالوا حين دعاهم رسول الله الى الحق وأراهم البينات ( اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب أليم ) ألا قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له
قال ولما سقطت ثنيتا معاوية لف وجهه بعمامة ثم خرج الى الناس فقال لئن ابتليت لقد ابتلى الصالحون قبلي واني لأرجو ان أكون منهم ولئن عوقبت لقد عوقب الخاطئون قبلي وما امن ان أكون منهم ولئن سقط عضوان مني لما بقي أكثر ولو أني على نفسي لما كان لي عليه خيار تبارك وتعالى فرحم الله عبدا دعا بالعافية فوالله لئن كان عتب علي بعض خاصتكم لقد كنت حدبا على عامتكم
ولما بلغت معاوية وفاة الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما دخل عليه ابن عباس فقال له معاوية اجرك الله أبا العباس في ابي محمد الحسن بن علي ولم يظهر حزنا فقال ابن عباس إنا لله وإنا اليه راجعون وغلبه البكاء فرده ثم قال لا يسد والله مكانه حفرتك ولا يزيد موته في أجلك والله لقد أصبنا بمن هو أعظم منه فقدا فما ضيعنا الله بعده فقال له معاوية كم كانت سنه قال مولده أشهر من ان تتعرف سنه قال أحسبه ترك أولادا صغارا قال كلنا كان صغيرا فكبر ولئن اختار الله لأبي محمد ما عنده وقبضه الى رحمته لقد أبقى الله أبا عبد الله وفي مثله الخلف الصالح

وصية اعرابية لولدها

قال الاصمعي عن أبان بن ثعلبة مررت بامراة بأعلى الارض وبين يديها ابن لها يريد سفرا وهي توصيه فقالت إجلس أمنحك وصيتي وبالله توفيقك وقليل إجدائه عليك أنفع من كثير عقلك إياك والنمائم فانها تزرع الضغائن ولا تجعل نفسك غرضا للرماة فان الهدف اذا رمي لم يلبث ان ينثلم ومثل نفسك مثالا فما استحسنته من غيرك فاعمل به وما كرهته منه فدعه واجتنبه

ومن كانت مودته بشره كان كالريح في تصرفها ثم نظرت في فقالت كأنك يا عراقي أعجبت بكلام أهل البدر ثم قالت لابنها اذا هززت فهز كريما فان الكريم يهتز لهزتك وإياك واللئيم فانه صخرة لا ينفجر ماؤها وإياك والعذر فانه أقبح ما تعومل به وعليك بالوفاء ففيه النماء وكن بمالك جوادا وبدينك شحيحا ومن أعطى السخاء والحلم فقد استجاد الحلة ريطتها وسربالها إنهض على اسم الله
وقال اعرابي لرجل مطله في حاجة ان مثل الظفر بالحاجة تعجيل اليأس منها اذا عسر قضاؤها وان الطلب وان قل اعظم قدرا من الحاجة وان عظمت والمطل من غير عسر آفة الجود
خطب الفضل الرقاشي الى قوم من بني تميم فخطب لنفسه فلما فرغ قام أعرابي منهم فقال توسلت بحرمة وأدليت بحق واستندت الىخير ودعوت الى سنة ففرضك مقبول وما سألت مبذول وحاجتك مقضية ان شاء الله تعالى قال الفضل لو كان الاعرابي حمد الله في اول كلامه وصلى على النبي لفضحني يومئذ

وصية الملك المنذر لولي عهده

قال المدائني قال المنذر بن المنذر لماحارب غسان بالشام لابنه النعمان يوصيه إياك واطراح الاخوان واطراف المعرفة وإياك وملاحاة الملول وممازحة السفيه وعليك بطول الخلوة والإكثار من السمر والبس من القشر ما يزينك في نفسك ومروءتك واعمل ان جماع الخير كله الحياء فعليك به وتواضع في نفسك وانخدع في مالك واعلم ان السكوت عن الامر الذي يعنيك خير من الكلام فاذا اضطررت اليه فتحر الصدق والايجاز تسلم ان شاء الله تعالى

كلام في تعزية بعض الملوك

قال ان الخلق للخالق والشكر للمنعم والتسليم للقادر ولا بد مما هو كائن وقد جاء ما لا يرد ولا سبيل الى رد ما قد فات وقد اقام معك ما سيذهب او ستتركه فما الجزع مما لا بد منه وما الطمع فيما لا يرجى وما الحيلة فيماسينقل عنك او تنقل عنه وقد مضت أصول نحن فروعها فما بقاء

الفرع بعد ذهاب الاصل افضل الاشياء عند المصائب الصبر وانما أهل الدنيا سفر لا يحلون الركائب الا في غيرها فما أحسن الشكر عند النعم والتسليم عند الغير فاعتبر بمن رأيت من أهل الجزع فان رأيت الجزع رد احدا منهم الى ثقة من درك فما أولاك به
واعلم ان أعظم من المصيبة سوء الخلف منها فاتق فان المرجع قريب
واعلم انه انما ابتلاك المنعم وأخذ منك المعطي وما ترك اكثرفان نسيت الصبرفلا تنس الشكر وكلا فلا تدع واحذر من الغفلة استلاب النعم وطول الندامة فما أصغر المصيبة اليوم مع عظم الغنيمة غدا فاستقبل المصيبة بالحسبة تستخلف بها نعما فانما نحن في الدنيا غرض ينتضل فيه بالمنايا ونهب للمصائب مع كل جرعة شرق ومع كل أكلة غصص لا تنال نعمة الا بفراق اخرى ولايستقبل معمر يوما من عمره الا بهدم اخر من أجله ولا تحدث له زيادة في أكله الا بنفاد ما قبله من رزقه ولا يحيا له أثر الا مات له أثر ونحن اعوان الحتوف على أنفسنا وأنفسنا تسوقنا الى الفناء فمن أين نرجو البقاء وهذا الليل و النهار لم يرفعا من شيء شرفا الا أسرعا الكرة في هدم ما رفعا وتفريق ما جمعا فاطلب الخير من اهله واعلم ان خيرا من الخير معطية وشرا من الشر فاعله
وقال ابو نواس
( أتتبع الظرفاء اكتب عنهم ... كيما احدث من احب فيضحكا )
وقال اخر
( قدرت فلم أترك صلاح عشيرتي ... وما العفو الا بعد قدرة قادر )
وقال اخر
( اخو الجد ان جد الرجال وشمروا ... وذو باطل ان كان في القوم باطل )
وروى قبيصة بن عمر المهلبي ان رجلا اتى ابن أبي عيينة فسأله ان يكتب الى داود بن يزيد كتابا ففعل وكتب في اسفله
( ان امرأ قذفت اليك به ... في البحر بعض مراكب البحر )
( تجري الرياح به فتحمله ... وتكف احيانا فلا تجري )
( ويرى المنية كلما عصفت ... ريح به للهول والذعر )

وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ما وجد احد في نفسه كبرا الا من مهانة يجدها في نفسه
ودخل رجل من بني مخزوم وكان زبيريا علىعبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك أليس قد ردك الله على عقبيك قال او من رد اليك فقد رد على عقبيه فاستحيى وعلم انه قد اساء
وقال المخبل
( إذا أنت لاقيت الرجال فلاقهم ... وعرضك من غث الامور سليم )
وقال النضر بن خالد
( كبره يبلغ الكواكب الا ... أنه في مروءة البقال )
وقال خداش بن زهير
( الناس تحتك أقدام وأنت لهم ... رأس فكيف يسوى الرأس والقدم )
( إنا لنعلم أنا ما بقيت لنا ... فينا السماح وفينا الجود والكرم )
( وحسبنا من ثناء المادحين اذا ... أثنوا عليك بأن يثنوا بما علموا )
وقال ابن عباس رضي الله عنه كانت قريش تألف منزل أبي بكر رضي الله تعالى عنه لخصلتين للعلم والطعام فلما اسلم أسلم عامة من كان مجالسه

بعض كلام الاعراب

قال الاصمعي وقف أعرابي يسأل فقال
( ألا فتى أروع ذو جمال ... من عرب الناس او الموالي )
( يعينني اليوم علىعيالي ... قد كثروا همي وقل مالي )
( وساقهم جدب وسوء حال ... وقد مللت كثرة السؤال )
وقال أعرابي
( يا ابن الكرام والدا وولدا ... لا تحرمن سائلا تعمدا )
( أفقره دهر عليه قد عدا ... من بعد ما كان قديما سيدا )
وقال اعرابي اللهم اني أسألك قلبا توابا أوابا لا كافرا ولا مرتابا
وهب رجل لاعرابي شيئا فقال جعل الله للخير عليك دليلا وجعل عندك رفدا جزيلا وأبقاك بقاء طويلا وابلاك بلاء جميلا
وقف أعرابي على قوم فمنعوه فقال اللهم اشغلنا بذكرك وأعذنا من

سخطك وأولجنا الى عفوك فقد ضن خلقك برزقك فلا تشغلنا بما عندهم عن طلب ما عندك واتنا من الدنيا للقنعان وان كان كثيرها يسخطك فلا خير فيما يسخطك
قال الاصمعي سمعت اعرابيا يدعو وهو يقول اللهم اغفر لي اذا الصحف منشورة والتوبة مقبولة قبل ان لا أقدر على استغفارك حين ينقطع الأمل ويحضر الاجل ويفنى العمل
وقال سمعت اعرابيا يدعو وهويقول اللهم ارزقني مالا أكبت به الاعداء وبنين أصول بهم على الاقوياء
وكان منادى سعد بن عبادة يقول على أطمه من أراد خبزا ولحما فليأت أطم سعد وخلفه قيس بن سعد ابنه وكان يفعل كفعله فاذا أكل الناس رفع يده الى السماء وقال اللهم اني لا أصلح علىالقليل ولا يصلح القليل لي اللهم هب لي حمدا ومجدا لانه لا حمد الا بفعال ولا مجد الا بمال
وقال اعرابي اللهم ان لك علي حقوقا فتصدق بها علي وللناس علي حقوقا فأدها عني وقد أوجبت لكل ضيف قرى وأنا ضيفك فاجعل قراي في هذه الليلة الجنة
وقف اعرابي على قوم يسألهم فأنشأ يقول
( هل من فتى عنده خفان يحملني ... عليهما انني شيخ على سفر )
( أشكو الى الله أهوالا أمارسها ... من الصداع واني سيء البصر )
( اذا سرى القوم لم ابصر طريقهم ... ان لم يكن عندهم ضوء من القمر )
قال الاخفش خرج اعرابي يطلب الصدقة ومعه ابنتان له فقالت ابنته لما رأت امساك الناس عنه
( يا ايها الراكب ذو التعريس ... هل فيكم من طارد البؤس )
( عن ذي هداج بين التقويس ... بفضل سربال له دريس )
( او فاضل من زاده خسيس ... اثابه الرحمن بالنفيس )
ووقف سائل على الحسن فقال رحم الله عبدا اعطى من سعة او آسى من كفاف او آثر من قلة
وقال الطائي حبيب بن اوس ابو تمام

( فتى كلما فاضت عيون قبيلة ... دما ضحكت عنه الاحاديث والذكر )
( فتى مات بين الطعن والضرب ميتة ... تقوم مقام النصر اذا فاته النصر )
وقال
( بكر اذا ابتسمت اراك وميضها ... نور الاقاح برملة ميعاس )
( وإذا مشت تركت بصدرك ضعف ما ... بحليها من كثرة الوسواس )
( قالت وقد حم الفراق فكأسه ... قد خولط الساقي بها والحاسي )
( لا تنسين تلك العهود فانما ... سميت انسانا لأنك ناس )
( هدأت على تأميل احمد همتي ... واطاف تقليدي بها وقياسي )
( نور العرارة نوره ونسيمه ... نشر الخزامي في اخضرار الآس )
( إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم احنف في ذكاء إياس )
( لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في الندى والباس )
( فالله قد ضرب الاقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس )
وقال
( احفظ رسائل شعر فيك ما ذهبت ... خواطر البرق الا دون ما ذهبا )
( يغددن مغتربات في البلاد فما ... يزلن يؤنسن في الآفاق مغتربا )
( ولا تضعها فما في الارض أحسن من ... نظم القوافي اذا ما صادفت أدبا )
أسر رؤبة في بعض حروب تميم فمنع الكلام فجعل يصرخ يا صاحباه يا بني تميم اطلقوا من لساني
وربما قال الشاعر في هجائه قولا لا يعيب به المهجو فيمتنع من فعله المهجو وان كان لا يلحق فاعله ذم وكذلك اذا مدحه بشيء اولع بفعله وان كان لا يصير اليه بفعله مدح فمن ذلك تقدم كلثم بنت سريع مولى عمرو بن حريث الى عبد الملك بن عمير وهو على قضاء الكوفة تخاصم أهلها فقضى لها عبد الملك على اهلها فقال هذيل الاشجعي
( أتاه وليد بالشهود يقودهم ... على ما ادعى من صامت المال والخول )
( وجاءت اليه كلثم وكلامها ... شفاء من الداء المخامر والخبل )
( فأدلى وليد عند ذاك بحقه ... وكان وليد ذا مراء وذا جدل )
( وكان لها دل وعين كحيلة ... فأدلت بحسن الدل منها وبالكحل )

( ففتنت القبطي حتى قضى لها ... بغير قضاء الله في السور الطول )
( فلو كان من بالقصر يعلم علمه ... لمااستعمل القبطي فينا على عمل )
( له حين يقضي للنساء تخاوص ... وكان وما فيه التخاوص والحول )
( اذا ذات دل كلمته بحاجة ... فهم بأن يقضي تنحنح اوسعل )
( وبرق عينيه ولاك لسانه ... يرى كل شيء ما خلا شخصها جلل )
قال فقال عبدالملك اخزاه الله والله لربما جاءتني السعلة او النحنحة وأنا في المتوضا فأذكر قوله فأردها لذلك
وزعم الهيثم بن عدي عن اشياخه ان الشاعر لما قال في شهر بن حوشب
( لقد باع شهر دينه يخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر )
ما مس خريطة حتى مات
وقال رجل من بني تغلب وكان ظريفا ما لقي احد من تغلب ما لقيت انا قلت وكيف ذاك قال قال الشاعر
( لا تطلبن خؤلة في تغلب ... فالزنج اكرم منهم أخوالا )
( لو ان تغلب جمعت احسابها ... يوم التفاخر لم يزن مثقالا )
( تلقاهم حلماء عن اعدائهم ... وعلى الصديق تراهم جهالا )
( والتغلبي اذا تنحنح للقرى ... حك استه وتمثل الأمثالا )
والله اني لاتوهم ان لو نهشت استى الافاعي ما حككتها

كلام في مقامات الشعراء في الجاهلية والاسلام

كان الشاعر ارفع قدرا من الخطيب وهم اليه احوج لرده مآثرهم عليهم وتذكيرهم بأيامهم فلما كثر الشعراء وكثر الشعر صار الخطيب اعظم قدرا من الشاعر
والذين هجوا فوضعوا من قدر من هجوه ومدحوا فرفعوا من قدر من مدحوه وهجاهم قوم فردوا عليهم فأفحموهم وسكت عنهم بعض من هجاهم مخافة التعرض لهم وسكتوا عمن هجاهم رغبة بأنفسهم عن الرد عليهم وهم في الأسلام جرير و الفرزدق والأخطل وفي الجاهلية زهير وطرفة والاعشى والنابغة هذا قول ابي عبيدة
وزعم ابو عمرو بن العلاء ان الشعر فتح بامريء القيس وختم بذي الرمة

ومن الشعراء من يحكم القريض ولا يحسن من الرجز شيئا ففي الجاهلية منهم زهير والنابغة والاعشى واما من يجمعهما فامرؤ القيس وله شيء من الرجز وطرفة وله كمثل ذلك ولبيد وقد اكثر ومن الاسلاميين من لا يقدر على الرجز وهو في ذلك يجيد القريض كالفرزدق وجرير ومن يجمعهما كأبي النجم وحميد الارقط والعماني وبشار بن برد وأقل من هؤلاء يحكم القصيد والارجاز و الخطب وكان الكميت والبعيث والطرماح شعراء خطباء وكان البعيث اخطبهم وقال يونس ان كان مغلبا في الشعر لقد كان غلب في الخطب واذا قالوا غلب فهوالغالب
وقال الحسين بن مطير الاسدي
( فيا قبر معن كنت أول حفرة ... من الارض خطت للمكارم مضجعا )
( فلما مضى معن مضى الجود والندى ... وأصبح عرنين المكارم أجدعا )
( فتى عيش في معروفة بعد موته ... كماكان بعد السيل مجراه مرتعا )
( تعز أبا العباس عنه ولايكن ... جزاؤك من معن بأن تتضعضعا )
( فما مات من كنت ابنه لا ولا الذي ... له مثل ما اسدى ابوك وما سعى )
( تمنى أناس شأوه من ضلالهم ... فأضحوا على الاذقان صرعى وظلعا )
وقال مسلم الانصاري يرثي يزيد بن مزيد
( قبر ببردعة استسر ضريحه ... خطرا تقاصر دونه الاخطار )
( أبقى الزمان على معد بعده ... حزنا لعمر الدهر ليس يعار )
( نفضت بك الآمال احلاس الغنى ... وأسترجعت نزاعها الامصار )
( فاذهب كما ذهبت غوادي مزنة ... أثنى عليها السهل والأوعار )
وقال هاشم الرقاشي
( أبلغ أبا مسمع عني مغلغلة ... وفي العتاب حياة بين أقوام )
( قدمت قبلي رجالا لم يكن لهم ... في الحق ان يلجوا الابواب قدامي )
( لو عد قبر وقبر كنت اكرمهم ... قبرا وابعدهم من منزل الذام )
( حتى جعلت اذا ما حاجة عرضت ... بباب قصرك أدلوها باقوام )
وقال الأبيرد الرياحي يرثي أخاه
( فتى ان هواستغنى تخرق في الغنى ... وان قل مال لم يؤد متنه الفقر )

( وسامى جسيمات الامور فنالها ... على العسر حتى يدرك العسرة اليسر )
( ترى القوم في الضراء ينتظرونه ... اذا شك رأي القوم او حزب الأمر )
( فليتك كنت الحي في الناس باقيا ... وكنت انا الميت الذي غيب القبر )
( لقد كنت أستعفي الاله اذا اشتكى ... من الاجر لي فيه وان سرني الاجر )
( وأجزع ان ينأى به بين ليلة ... فكيف يبين صار ميعاده الحشر )
وقال ابو عبيدة أنشدني رجل من بني عجل
( وكنت أعير الدمع قبلك من بكى ... فأنت علىمن مات بعدك شاغله )
( لقد رحل الحي المقيم وودعوا ... فتى لم يكن بإزائه من ينازله )
( ولم يك يخشى الجار منه اذا دنا ... أذاه ولا يخشى الحريمة سائله )
( فتى كان للمعروف يبسط كفه ... اذا قبضت كف البخيل ونائله )
قال دخل معن بن زائدة على ابي جعفر المنصور فقارب في خطوه فقال المنصور لقد كبرت سنك قال في طاعتك قال وانك لجلد قال على اعدائك قال وأرى فيك بقية قال هي لك

كتاب عبدالله الى عمرو بن سعيد الاشدق

قال كتب عبد الملك بن مروان إلى عمرو بن سعيد الآشدق حين خرج عليه اما بعد فان رحمتي لك تصرفني عن الغضب عليك لتمكن الخدع منك وخذلان التوفيق إياك نهضت بأسباب وهمتك أطماعك ان تستفيد بها عزا كنت جديرا لو اعتدلت ان لا تدفع بها ذلا ومن رحل عنه حسن النظر واستوطنته الاماني ملك الحين تصريفه واستترت عنه عواقب امره وعن قليل يتبين من سلك سبيلك ونهض بمثل اسبابك انه اسير غفلة وصريع خدع ومغيض ندم والرحم تحمل علىالصفح عنك مالم تحلل بك عواقب جهلك وتزجر عن الإيقاع بك وانت ان ارتدعت كنت في كنف وستر والسلام

رد عمرو بن سعيد على عبد الملك

فكتب اليه عمرو اما بعد فان استدراج النعم اياك أفادك البغي ورائحة القدرة أورثتك الغفلة زجرت عما واقعت مثله وندبت الى ما تركت سبيله ولو كان ضعف الاسباب يؤيس الطلاب ما انتقل سلطان ولا ذل عزيز وعن

قليل تتبين من أسير الغفلة وصريع الخدع والرحم تعطف على الإبقاء عليك مع دفعك عما غيرك أقوم به منك والسلام

كتاب عمر بن عبدالعزيز الى عمر بن الوليد

قال ابو الحسن كتب عمر بن عبد العزيز الى عمر بن الوليد بن عبد الملك اما بعد فانك كتبت تذكر ان عاملا اخذ مالك بالحمية وتزعم اني من الظالمين وان اظلم مني وأترك لعهد الله من أمرك صبيا سفيها على جيش من جيوش المسلمين لم تكن له في ذلك نية الا حب الوالد لولده وان اظلم مني وأترك لعهد الله لأنت فأنت عمر بن الوليد وأمك صناجة تدخل دور حمص وتطوف في حوانيتها رويدك ان لو قد التفت خلقتا البطان لحملتك وأهل بيتك على المحجة البيضاء فطالما ركبتم ثنيات الطريق مع اني قد هممت ان ابعث اليك من يحلق دلادلك فاني اعلم انها من اعظم المصائب عليك والسلام

شدة مراقبة عبد الملك لولاته

قال ابو الحسن كان عبدالملك بن مروان شديد اليقظة كثير التعاهد لولاته فبلغه ان عاملا من عماله قبل هدية فأمر باشخاصه اليه فلما دخل عليه قال له أقبلت هدية منذ وليتك قال يا أميرالمؤمنين بلادك عامرة وخراجك موفور ورعيتك على افضل حال قال أجب فيما سألتك عنه أقبلت هدية منذ وليتك قال نعم قال لئن كنت قلت ولم تعوض انك للئيم ولئن أنلت مهديك لا من مالك او استكفيته ما لم يكن يستكفاه انك لجائر خائن ولئن كان مذهبك ان تعوض المهدى اليك من مالك وقبلت ما اتهمك به عند من استكفاك وبسط لسان عائبك وأطمع اهل عملك انك لجاهل وما فيمن اتى امرا لم يخل فيه من دناءة او خيانة او جهل مصطنع نحياه عن عمله
قال ابو الحسن عرض اعرابي لعتبة بن ابي سفيان وهو على مكة فقال ايها الخليفة قال لست به ولم تبعد قال يا اخاه قال أسمعت فقل قال شيخ من بني عامر يتقرب اليك بالعمومة ويختص بالخؤولة ويشكو اليك كثرة العيال ووطأة الزمان وشدة فقر وترادف ضر وعندك ما يسعه ويصرف عنه بؤسه قال استغفر الله منك واستعينه عليك قد أمرت

لك بغناك وليت اسراعي اليك يقوم بأبطائي عنك
وقال اعرابي يعيب قوما هم أقل الناس ذنوبا الى اعدائهم واكثرهم جرما الى اصدقائهم يصومون عن المعروف ويفطرون على الفحشاء
وقال مجاعة بن مرار لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه اذا كان الرأي عنه من لا يقبل منه والسلاح عند من لا يستعمله وكان المال عند من لا ينفقه ضاعت الأمور
قال الاصمعي نعت أعرابي رجلا فقال كأن الالسن والقلوب ريضت له فما تنعقد الا على وده ولا تنطق الا بثنائه
وقال أعرابي وعد الكريم نقد وتعجيل ووعد اللئيم مطل وتعليل
أتى اعرابي عمر بن عبد العزيز فقال رجل من أهل البادية ساقته الحاجة وانتهت به الفاقة والله يسألك عن مقامي غدا فبكى عمر
وقال الشاعر
( ومن يبق مالا عدة وصيانة ... فلا البخل مبقيه ولا الدهر افره )
( ومن يك ذا عود صليب يعده ... ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره )
وقال ابان بن الوليد لإياس بن معاوية انا اغنى منك فقال إياس بل أنا اغنى منك قال أبان وكيف ولي كذا وكذا وعدد أموالا قال ان كسبك لا يفضل عن مؤونتك وكسبي يفضل عن مؤونتي
وكان يقال حاجب الرجل عامله على عرضه
وقال ابوالحسن رأيت امرأة اعرابية غمضت ميتا وترحمت عليه ثم قالت ما احق من ألبس العافية وأطيلت له النظرة ان لا يعجز عن النظر لنفسه قبل الحلول بساحته والحيالة بينه وبين نفسه
وقال ابن الزبير لمعاوية حين أراد ان يبايع لابنه يزيد أتقدم ابنك على من هو خير منه قال كأنك تريد نفسك ان بيته بمكة فوق بيتك قال ابن الزبير ان الله رفع بالاسلام بيوتا فبيتي مما رفع قال معاوية صدقت وبيت حاطب بن أبي بلتعة
وقال عاتب اعرابي اباه فقال ان عظيم حقك علي لا يذهب صغير حقي عليك والذي تمت الي به أمت بمثله اليك ولست أزعم انا سواء ولكني

أقول لا يحل لك الاعتداء
قال مدح رجل قوما فقال أدبتهم الحكمة وأحكمتهم التجارب ولم تغررهم السلامة المنطوية على الهلكة ورحل عنهم التسويف الذي قطع الناس به آجالهم فأحسنوا المقال وشفعوه بالفعال
وقال بعض الحكماء التواضع مع السخافة والبخل أحمد عند العلماء من الكبر مع الادب والسخاء فأعظم بحسنة عفت عن سيئتين وأفظع بعيب افسد من صاحبه حسنتين
وقيل لرجل مات صديق لك فقال رحمة الله عليه لقد كان يملأ العين جمالا والأذن بيانا ولقد كان يرجى فلا يخشى ويخشى فلا يغشى ويعطي ولا يعطي قليلا لدى الشر حضوره سليما للصديق ضميره
وقام أعرابي ليسأل فقال أين الوجوه الصباح والعقول الصحاح والالسن الفصاح والانساب الصراح والمكارم الرباح والصدور الفساح تعيذني من مقامي هذا
ومدح بعضهم رجلا فقال ما كان افسح صدره وأبعد ذكره وأعظم قدره وأنفذ أمره وأعلى شرفه واربح صفقة من عرفه مع سعة الغناء وعظم الإناء وكر الاباء
وقال علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه لصعصعة بن صوحان والله ما علمتك الا أنك كثير المعونة قليل المؤونة فجزاك الله خيرا فقال صعصعة وأنت فجزاك الله احسن من ذلك فانك ما علمتك بالله عليم والله في عينك عظيم

وصية عبد الملك بن صالح العباسي لابنه

قال ابو الحسن أوصىعبد الملك بن صالح ابنا له فقال اي بني إحلم فان من حلم ساد ومن تفهم ازداد والق أهل الخير فان لقاءهم عمارة للقلوب ولا تجمح بك مطية اللجاج وفيك من أعتبك والصاحب المناسب لك والصبر على المكروه يعصم القلوب والمزاح يورث الضغائن وحسن التدبير مع الكفاف خير من الكثير مع الاسراف والاقتصاد يثمر القليل والاسراف يبير الكثير ونعم الحظ القناعة وشر ما صحب المرء الحسد وما كل عورة

تصان وربما أبصر العمي رشده وأخطأ البصير قصده واليأس خير من الطلب الى الناس والعفة مع الحرفة خير من الغنى مع الفجور أرفق في الطلب وأجمل في المكسب فانه رب طلب قد جر الىحرب ليس كل طالب بمنجح ولا كل ملح بمحتاج والمغبون من غبن نصيبه من الله عاتب من رجوت عتباه وفاكه من أمنت بلواه لا تكن مضحاكا من غير عجب ولا مشاء الى غير أرب ومن نأى عن الحق أضاق مذهبه ومن اقتصر على حاله كان أنعم لباله لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فانه أنما سعى في مضرته ونفعك وعود نفسك السماح وتخير لها من كل خلق أحسنه فان الخير عادة والشر لجاجة والصدود آية المقت والتعلل آية البخل ومن الثقة كتمان السر ولقاح المعرفة دراسة العلم وطول التجارب زيادة في العقل والقناعة راحة الابدان والشرف التقوى والبلاغة معرفة رتق الكلام وفتقه بالعقل تستخرج الحكمة وبالحلم يستخرج غور العقل ومن شمر في الامور ركب البحور شر القول ما نقض بعضه بعضا ومن سعى بالنميمة حذره البعيد ومقته القريب من أطال النظر بإرادة تامة أدرك الغاية ومن تواني في نفسه ضاع من أسرف في الامور انتشرت عليه ومن اقتصد اجتمعت له واللجاجة تورث الضياع للأمور غب الادب احمد من ابتدائه مبادرة الفهم تورث النسيان سوء الاستماع يعقب العي لا تحدث من لا يقبل بوجهه عليك ولا تنصت لمن لا ينمىبحديثه اليك البلادة للرجل هجنة قل مالك إلا استأثر وقل عاجز إلا تأخر الاحجام عن الامور يورث العجز والاقدام عليها يورث اجتلاب الحظ سوء الطعمة يفسد العرض ويخلق الوجه ويمحق الدين الهيبة قرين الحرمان والجسارة قرين الظفر وفيك من أنصفك وأخوك من عاتبك وشريكك من وفى لك وصفيك من آثرك اعدى الاعداء العقوق إتباع الشهوة يورث الندامة وفوت الفرصة يؤرث الحسرة جماع أركان الأدب التأني للرفق اكرم نفسك عن كل دنية وان ساقتك الىالرغائب فانك لا تجد بما تبذل من دينك ونفسك عوضا لا تباعد النساء فيمللنك واستبق من نفسك بقية فانهن ان يرين انك ذر اقتدار خير من ان يطلعن منك علىانكسار لا تملك المرأة الشفاعة لغيرها فتميل من شفعت لها عليك معها

أي بني اني قد اخترت لك الوصية ومحضتك النصيحة وأديت الحق الى الله في تأديبك فلا تغفلن الأخذ بأحسنها والعمل بها والله موفقك
قال الغنوي احتضر رجل منا فصاحت ابنته ففتح عينيه وهو يكيد بنفسه فقال
( عزاء لا ابا لك ان شيئا ... تولى ليس يرجعه الحنين )
وقال بعض الشعراء
( وما ان قتلناهم بأكثر منهم ... ولكن بأوفى بالطعان وأكرما )
قال المدائني كان يقال اذا انقطع رجاؤك من صديقك فألحقه بعدوك وقال عبد الملك بن صالح لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فانما سعى في مضرته ونفعك
وقال مصعب بن الزبير التواضع احد مصائد الشرف
وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إياك ومؤاخاة الاحمق فانه ربما أراد ان ينفعك فضرك
وكانوا يقولون عشر في عشرة هي فيهم أقبح منها في غيرهم الضيق في الملوك والغدر في ذوي الاحساب والحاجة في العلماء والكذب في القضاة والغضب في ذوي الألباب والسفاهة في الكهول والمرض في الاطباء والاستهزاء في أهل البؤس والفخر في أهل الفاقة والشح في الاغنياء
ووصف بعض الاعراب فرسا فقال قد انتهى ضموره وذبل فريره وظهر حصيره وتفلقت غروره واسترخت شاكلته يقبل بزور الاسد ويدبر بعجز الذئب
ومات ابن لسليمان بن علي فجزع عليه جزعا شديدا وامتنع من الطعام والشراب وجعل الناس يعزونه فلا يحفل بذلك فدخل عليه يحيى بن منصور فقال عليكم نزل كتاب الله فانتم أعلم بفرائضه ومنكم كان رسول الله فأنتم أعرف بسنته ولست ممن يعلم من جهل ولا يقوم من عوج ولكني أعزيك ببيت من شعر قال هاته قال
( وهون ما ألقى من الوجد انني ... أساكنه في داره اليوم اوغدا )
قال دعا اعرابي في طريق مكة فقال هل من عائد بفضل او مواس

من كفاف فأمسك عنه فقال اللهم لا تكلنا الى أنفسنا فنعجز ولا الى الناس فنضبع
قال ابوالحسن جاء الاحنف الأحمر الى حلقة يونس حيث مات ابو جعفر فقال
( قد طرقت بنكرها بنت طبق ... )
فقال له يونس ماذا فقال
( فذمروها خبرا ضخم العنق ... )
فقال يونس وما هذا فقال
( موت الإمام فلقة من الفلق ... )
قال ابوالحسن أراد رجل ان يكذب بلالا فقال له يوما يا بلال ما سن فرسك قال عظم قال فكيف جريه قال يحضر ما استطاع قال فأين ينزل قال موضعا أضع فيه رجلي فقال له الرجل لا أتعنتك ابدا
قال ودخل رجل على شريح القاضي يخاصم امرأة له فقال السلام عليكم قال وعليكم قال اني رجل من أهل الشام قال بعيد سحيق قال واني قدمت الي بلدكم هذا قال خير مقدم قال واني تزوجت امرأة قال بالرفاة والبنين قال انها ولدت غلاما قال ليهنك الفارس قال وقد كنت شرطت لها صداقها قال الشرط املك قال وقد اردت الخروج بها الى بلدي قال الرجل احق بأهله قال فاقض بيننا قال قد فعلت
قال وخرج الحجاج ذات يوم فأصحر وحضر غداؤه فقال اطلبوا من يتغدى معي فطلبوا فاذا اعرابي في شملة فأتى به فقال السلام عليكم قال هلم ايها الاعرابي قال قد دعاني من هو اكرم منك فأجبته قال ومن هو قال دعاني الله ربي الىالصوم فأنا صائم قال وصوم في مثل هذا اليوم الحار قال صمت ليوم هو احر منه قال فأفطر اليوم وصم غدا قال ويضمن لي الامير اني اعيش الى غد قال ليس ذاك اليه قال فكيف يسألني عاجلا بآجل ليس الله قال انه طعام طيب قال ما طيبه خبازك ولاطباخك قال فمن طيبه قال العافية قال الحجاج بالله ان رأيت كاليوم أخرجوه
قال أبو عمرو خرج صعصعة بن صوحان عائدا الى مكة فلقيه رجل فقال له يا عبد الله كيف تركت الارض قال عريضة اريضة قال انما عنيت السماء قال فوق البشر ومدى البصر قال سبحان الله انما اردت السحاب

قال تحت الخضراء وفوق الغبراء قال انما اعني المطر قال قد عفا الأثر وملأ القتر وبل الوتر ومطرنا احيا المطر قال إنسي انت أم جني قال بل إنسي من أمة رجل مهدي وقال بشار
( وحمد كبرد العصب حملت صاحبي ... الى ملك للصالحين قرين )
وقال أيضا
( وبكر كنوار الرياض حديثها ... تروق بوجه واضح وقوام )

كتاب من الحجاج الى عبد الملك

وكتب الحجاج بن يوسف الى عبد الملك بن مروان اما بعد فانا نخبر امير المؤمنين انه لم يصب ارضنا وابل منذ كتبت اخبره عن سقيا الله أيانا الا ما بل وجه الارض من الطش والرش والرذاذ حتى دقعت الارض واقشعرت واغبرت وثارت في نواحيها اعاصير تذرو دقاق الارض من ترابها وأمسك الفلاحون بأيديهم من شدة الارض واعترازها وامتناعها وارضنا ارض سريع تغيرها وشيك تنكرها سيء ظن اهلها عند قحوط المطر حتى ارسل الله بالقبول يوم الجمعة فأثارت زبرجا متقطعا متمصرا ثم أعقبته الشمال يوم السبت فطحطحت عنه جهامه والفت متقطعه وجمعت متمصرة حتى انتضد فاستوى وطما وطحا وكان جونا مرتعنا قريبا رواعده واعتدت عوائده بوابل منهمل منسجل يردف بعضه بعضا كلما اردف شؤبوب ارتدفته شآبيب لشدة وقعه في العراض
وكتبت الى امير المؤمنين وهي ترمي بمثل قطع القطن قد ملأ اليباب وسد الشعاب وسقي منها كل ساق فالحمد لله الذي انزل غيثه ونشر رحمه من بعد ما قنطوا وهو الولي الحميد والسلام
وهذا ابقاك الله اخر ما الفناه من كتاب البيان والتبيين ونرجو ان نكون غير مقصرين فيما اخترناه من صنعته وأردناه من تأليفه فان وقع على الحال التي أردنا وبالمنزلة التي أملنا فذلك بتوفيق الله وحسن تأييده وان وقع بخلافها فما قصرنا في الاجتهاد ولكن حرمنا التوفيق والله سبحانه وتعالى اعلم
تم كتاب البيان والتبيين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق