عضل المطلقين
ومن لسان العرب
[ عضل ]
عضل : العضلة والعضيلة : كل عصبة معها لحم غليظ . عضل
عضلا فهو عضل وعضل إذا كان كثير العضلات ; قال بعض الأغفال :
لو تنطح الكنادر العضلا فضت شؤون رأسه فافتلا
وعضلته : ضربت عضلته . وفي صفة سيدنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم : أنه كان معضلا أي موثق الخلق ، وفي رواية : مقصدا ، وهو أثبت . وقال
الليث : العضلة كل لحمة غليظة منتبرة مثل لحم الساق والعضد ، وفي الصحاح : كل لحمة
غليظة في عصبة ، والجمع عضل ، يقال : ساق عضلة ضخمة . وفي حديث ماعز : أنه أعضل
قصير ، هو من ذلك ، ويجوز أن يكون أراد أن عضلة ساقه كبيرة . وفي حديث حذيفة : أخذ
النبي - صلى الله عليه وسلم - بأسفل من عضلة ساقي وقال هذا موضع الإزار .
والعضلة من النساء : المكتنزة السمجة .
وعضل المرأة عن الزوج : حبسها . وعضل الرجل أيمه يعضلها
ويعضلها عضلا وعضلها : منعها الزوج ظلما ; قال الله تعالى : فلا تعضلوهن أن ينكحن
أزواجهن نزلت في معقل بن يسار المزني وكان زوج أخته رجلا فطلقها ، فلما انقضت
عدتها خطبها ، فآلى أن لا يزوجه إياها ، ورغبت فيه أخته فنزلت الآية . وأما قوله تعالى
: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن العضل في
هذه الآية من الزوج لامرأته ، وهو أن يضارها ولا يحسن عشرتها ليضطرها بذلك إلى
الافتداء منه بمهرها الذي أمهرها ، سماه الله تعالى عضلا ; لأنه يمنعها حقها من
النفقة وحسن العشرة ، كما أن الولي إذا منع حرمته من التزويج فقد منعها الحق الذي
أبيح لها من النكاح إذا دعت إلى كفء لها ، وقد قيل في الرجل يطلع من امرأته على
فاحشة قال : لا بأس أن يضارها حتى تختلع منه ، قال الأزهري : فجعل الله سبحانه
وتعالى اللواتي يأتين الفاحشة مستثنيات من جملة النساء اللواتي نهى الله أزواجهن
عن عضلهن ليذهبوا ببعض ما آتوهن من الصداق . وفي حديث ابن عمرو : قال له أبوه
زوجتك امرأة فعضلتها ; هو من العضل المنع ، أراد إنك لم تعاملها معاملة الأزواج
لنسائهم ولم تتركها تتصرف في نفسها فكأنك قد منعتها . وعضل عليه في أمره تعضيلا :
ضيق من ذلك وحال بينه وبين ما يريد ظلما . وعضل بهم المكان : ضاق . وعضلت الأرض
بأهلها إذا ضاقت بهم لكثرتهم ; قال أوس بن حجر :
ترى الأرض منا بالفضاء مريضة معضلة منا بجمع عرمرم
، وعضل الشيء عن الشيء : ضاق .
وعضلت المرأة بولدها تعضيلا إذا نشب الولد فخرج بعضه ولم يخرج بعض فبقي معترضا ،
وكان أبو عبيدة يحمل هذا على إعضال الأمر ويراه منه . وأعضلت ، وهي معضل ، بلا هاء
، ومعضل : عسر عليها ولاده ، وكذلك الدجاجة ببيضها ، وكذلك الشاء والطير ; قال
الكميت :
وإذا الأمور أهم غب نتاجها يسرت كل معضل ومطرق
، وفي ترجمة عصل : والمعصل -
بالتشديد - السهم الذي يلتوي إذا رمي به ; وحكى ابن بري عن علي بن حمزة قال : هو
المعضل - بالضاد المعجمة - من عضلت الدجاجة إذا التوت البيضة في جوفها . والمعضلة
أيضا : التي يعسر عليها ولدها حتى يموت ; هذه عن اللحياني . وقال الليث : يقال
للقطاة إذا نشب بيضها : قطاة معضل . وقال الأزهري : كلام العرب قطاة مطرق وامرأة
معضل . وقال أبو مالك : عضلت المرأة بولدها إذا غص في فرجها فلم يخرج ولم يدخل .
وفي حديث عيسى ، على نبينا وعليه الصلاة والسلام : أنه مر بظبية قد عضلها ولدها ،
قال : يقال عضلت الحامل وأعضلت إذا صعب خروج ولدها ، وكان الوجه أن يقول بظبية قد
عضلت فقال عضلها ولدها ، ومعناه أن ولدها جعلها معضلة حيث نشب في بطنها ولم يخرج .
وأصل العضل المنع والشدة ، يقال : أعضل بي الأمر إذا ضاقت عليك فيه الحيل . وأعضله
الأمر : غلبه . وداء عضال : شديد معي غالب ; قالت ليلى :
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها
، ويقال : أنزل بي القوم أمرا
معضلا لا أقوم به ; وقال ذو الرمة :
ولم أقذف لمؤمنة حصان بإذن الله موجبة عضالا
، وقال شمر : الداء العضال المنكر
الذي يأخذ مبادهة ثم لا يلبث أن يقتل ، وهو الذي يعيي الأطباء علاجه ، يقال أمر
عضال ومعضل ، فأوله عضال فإذا لزم فهو معضل . وفي حديث كعب : لما أراد عمر الخروج
إلى العراق قال له : وبها الداء العضال ; قال ابن الأثير : هو المرض الذي يعجز
الأطباء فلا دواء له . وتعضل الداء الأطباء وأعضلهم : غلبهم . وحلفة عضال : شديدة
غير ذات مثنوية ; قال :
إني حلفت حلفة عضالا
وقال ابن الأعرابي : عضال هنا داهية عجيبة أي حلفت يمينا
داهية شديدة . وفلان عضلة وعضل : شديد ، داهية ; الأخيرة عن ابن الأعرابي . وفلان
عضلة من العضل أي داهية من الدواهي . والعضلة ، بالضم : الداهية . وشيء عضل ومعضل
: شديد القبح ; عنه أيضا ; وأنشد :
ومن حفافي لمة لي عضل
ويقال : عضلت الناقة تعضيلا وبددت تبديدا وهو الإعياء من
المشي والركوب وكل عمل . وعضل بي الأمر وأعضل بي وأعضلني : اشتد وغلظ واستغلق .
وأمر معضل : لا يهتدى لوجهه . والمعضلات : الشدائد . وروي عن عمر - رضي الله عنه -
أنه قال : أعضل بي أهل الكوفة ، ما يرضون بأمير ولا يرضاهم أمير ; قال الأموي في
قوله أعضل بي : هو من العضال وهو الأمر الشديد الذي لا يقوم به صاحبه ، أي : ضاقت
علي الحيل في أمرهم وصعبت علي مداراتهم . يقال : قد أعضل الأمر ، فهو معضل ; قال
الشاعر :
واحدة أعضلني داؤها
فكيف لو قمت على أربع
وأنشد الأصمعي هذا البيت أبا توبة ميمون بن حفص مؤدب عمر
بن سعيد بن سلم بحضرة سعيد ، ونهض الأصمعي فدار على أربع يلبس بذلك على أبي توبة ،
فأجابه أبو توبة بما يشاكل فعل الأصمعي ، فضحك سعيد وقال لأبي توبة : ألم أنهك عن
مجاراته في المعاني ؟ هذه صناعته . وسئل الشعبي عن مسألة مشكلة فقال : زباء ذات
وبر ، لو وردت على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لعضلت بهم ; عضلت بهم أي :
ضاقت عليهم ; قال الأزهري : معناه أنهم يضيقون بالجواب عنها ذرعا لإشكالها . وفي
حديث عمر ، رضي الله عنه : أعوذ بالله من كل معضلة ليس لها أبو حسن ، وروي معضلة ;
أراد المسألة الصعبة أو الخطة الضيقة المخارج من الإعضال أو التعضيل ، ويريد بأبي
الحسن علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه . وفي حديث معاوية وقد جاءته مسألة مشكلة
فقال : معضلة ولا أبا حسن ! قال ابن الأثير : أبو حسن معرفة وضعت موضع النكرة كأنه
قال : ولا رجل لها كأبي حسن ، لأن لا النافية إنما تدخل على النكرات دون المعارف .
وفي الحديث : فأعضلت بالملكين فقالا يا رب إن عبدك قد قال مقالة لا ندري كيف
نكتبها . وأعضألت الشجرة : كثرت أغصانها واشتد التفافها ; قال :
كأن زمامها أيم شجاع
ترأد في غصون معضئله
همز على قولهم دأبة وهي هذلية شاذة ; قال أبو منصور :
الصواب معطئلة - بالطاء - وهي الناعمة ; ومنه قيل : شجر عيطل أي ناعم . والعضلة :
شجيرة مثل الدفلى تأكله الإبل فتشرب عليه كل يوم الماء ; قال أبو منصور : أحسبه
العصلة - بالصاد المهملة - فصحف . والعضل ، بفتح الضاد والعين : الجرذ ، والجمع
عضلان . ابن الأعرابي : العضل ذكر الفأر ، والعضل : موضع ، وقيل : موضع بالبادية
كثير الغياض . وعضل : حي . وبنو عضيلة : بطن . وقال الليث : بنو عضل حي من كنانة ،
وقال غيره : عضل والديش حيان يقال لهما القارة وهم من كنانة . وقال الجوهري : عضل
قبيلة ، وهو عضل بن الهون بن خزيمة أخو الديش ، وهما القارة .
ومن تفسير القرآن للحافظ الطبري:القول في تأويل قوله
تعالى ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا
بينهم بالمعروف
قال أبو جعفر : ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل كانت له
أخت كان زوجها من ابن عم لها فطلقها ، وتركها فلم يراجعها حتى انقضت عدتها ، ثم
خطبها منه ، فأبى أن يزوجها إياه ومنعها منه ، وهي فيه راغبة .
ثم اختلف أهل التأويل في الرجل الذي كان فعل ذلك ، فنزلت
فيه هذه الآية . فقال بعضهم : كان ذلك الرجل معقل بن يسار المزني
ذكر من قال ذلك :
4927 - حدثني محمد بن بشار قال :
حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة عن الحسن ، عن معقل بن يسار قال :
كانت أخته تحت رجل فطلقها ، ثم خلا عنها ، حتى إذا انقضت عدتها خطبها ، فحمي معقل
من ذلك أنفا . وقال : خلا عنها وهو يقدر عليها ، فحال بينه وبينها ، فأنزل الله -
تعالى ذكره - : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن
أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف " .
** حدثنا أبو كريب قال : حدثنا
وكيع ، عن الفضل بن دلهم ، عن الحسن ، عن معقل بن يسار : أن أخته طلقها زوجها ،
فأراد أن يراجعها ، فمنعها معقل ، فأنزل الله - تعالى ذكره - : " وإذا طلقتم
النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " إلى آخر الآية .
4929 - حدثنا محمد بن عبد الله
المخزومي قال : حدثنا أبو عامر قال : حدثنا عباد بن راشد قال : حدثنا الحسن قال :
حدثني معقل بن يسار قال : كانت لي أخت تخطب وأمنعها الناس ، حتى خطب إلي ابن عم لي
فأنكحتها ، فاصطحبا ما شاء الله ، ثم إنه طلقها طلاقا له رجعة ، ثم تركها حتى
انقضت عدتها ، ثم خطبت إلي ، فأتاني يخطبها مع الخطاب ، فقلت له : خطبت إلي
فمنعتها الناس ، فآثرتك بها ، ثم طلقت طلاقا لك فيه رجعة ، فلما خطبت إلي آتيتني
تخطبها مع الخطاب ! والله لا أنكحكها أبدا . قال : ففي نزلت هذه الآية : "
وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم
بالمعروف " قال : فكفرت عن يميني ، وأنكحتها إياه .
4930 - حدثنا بشر بن معاذ قال :
حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن
فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف " ذكر لنا أن رجلا
طلق امرأته تطليقة ، ثم خلا عنها حتى انقضت عدتها ، ثم قرب بعد ذلك يخطبها -
والمرأة أخت معقل بن يسار - فأنف من ذلك معقل بن يسار ، وقال : خلا عنها وهي في
عدتها ، ولو شاء راجعها ، ثم يريد أن يراجعها وقد بانت منه . فأبى عليها أن يزوجها
إياه . وذكر لنا أن نبي الله - لما نزلت هذه الآية - دعاه فتلاها عليه ، فترك
الحمية واستقاد لأمر الله .
4931 - حدثت عن عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن يونس ، عن الحسن قوله تعالى : " وإذا طلقتم
النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن " إلى آخر الآية قال : نزلت هذه الآية في
معقل بن يسار . قال الحسن : حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه . قال : زوجت أختا
لي من رجل فطلقها ، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتك وفرشتك أختي
وأكرمتك ، ثم طلقتها ، ثم جئت تخطبها . لا تعود إليك أبدا ، قال : وكان رجل صدق لا
بأس به ، وكانت المرأة تحب أن ترجع إليه ، قال الله - تعالى ذكره - : " وإذا
طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف
" .
قال : فقلت : الآن أفعل يا رسول الله . فزوجها منه .
** حدثنا ابن حميد قال : حدثنا
يحيى بن واضح قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ، عن بكر بن عبد الله المزني قال : كانت
أخت معقل بن يسار تحت رجل فطلقها ، فخطب إليه فمنعها أخوها فنزلت : " وإذا
طلقتم النساء فبلغن أجلهن " إلى آخر الآية .
4933 - حدثنا القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " وإذا طلقتم
النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " الآية . قال : نزلت في
امرأة من مزينة طلقها زوجها وأبينت منه ، فنكحها آخر ، فعضلها أخوها معقل بن يسار
، يضارها خيفة أن ترجع إلى زوجها الأول . قال ابن جريج ، وقال عكرمة : نزلت في
معقل بن يسار . قال ابن جريج : أخته جمل ابنة يسار ، كانت تحت أبي البداح ، طلقها
، فانقضت عدتها ، فخطبها ، فعضلها معقل بن يسار .
4934 - حدثني محمد بن عمرو قال :
حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وإذا
طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف
" نزلت في امرأة من مزينة طلقها زوجها ، فعضلها أخوها أن ترجع إلى زوجها
الأول وهو معقل بن يسار أخوها .
[ ص: 21 ] 4935 - حدثني المثنى قال
: حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله ، إلا أنه
لم يقل فيه : " وهو معقل بن يسار " .
4936 - حدثني المثنى قال : حدثنا
حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق
الهمداني : أن فاطمة بنت يسار طلقها زوجها ، ثم بدا له فخطبها ، فأبى معقل . فقال
: زوجناك فطلقتها وفعلت ، فأنزل الله - تعالى ذكره - : " فلا تعضلوهن أن
ينكحن أزواجهن " .
4937 - حدثنا الحسن بن يحيى قال :
أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن وقتادة في قوله : " فلا
تعضلوهن " قال : نزلت في معقل بن يسار ، كانت أخته تحت رجل فطلقها ، حتى إذا
انقضت عدتها جاء فخطبها ، فعضلها معقل فأبى أن ينكحها إياه ، فنزلت فيها هذه الآية
- يعني به الأولياء - يقول : " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " .
4938 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن منصور ، عن رجل ، عن معقل بن يسار قال : كانت أختي عند رجل فطلقها
تطليقة بائنة ، فخطبها ، فأبيت أن أزوجها منه ، فأنزل الله - تعالى ذكره - :
" فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " الآية .
وقال آخرون : كان الرجل : " جابر بن عبد الله
الأنصاري " .
ذكر من قال ذلك :
4939 - حدثني موسى بن هارون قال :
حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإذا طلقتم النساء
فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف " قال :
نزلت في جابر بن عبد الله [ ص: 22 ] الأنصاري ، وكانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة
، فانقضت عدتها ، ثم رجع يريد رجعتها . فأما جابر فقال : طلقت ابنة عمنا ، ثم تريد
أن تنكحها الثانية ؟ ! وكانت المرأة تريد زوجها ، قد راضته . فنزلت هذه الآية .
وقال آخرون : نزلت هذه الآية دلالة على نهي الرجل مضارة
وليته من النساء ، يعضلها عن النكاح .
ذكر من قال ذلك :
4940 - حدثني المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس
قوله : " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " فهذا في الرجل يطلق امرأته
تطليقة أو تطليقتين ، فتنقضي عدتها ، ثم يبدو له في تزويجها وأن يراجعها ، وتريد
المرأة فيمنعها أولياؤها من ذلك ، فنهى الله سبحانه أن يمنعوها .
4941 - حدثني محمد بن سعد قال :
حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وإذا
طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف
" كان الرجل يطلق امرأته تبين منه وينقضي أجلها ، ويريد أن يراجعها وترضى
بذلك ، فيأبى أهلها ، قال الله - تعالى ذكره - : " فلا تعضلوهن أن ينكحن
أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف " .
4942 - حدثني المثنى قال : حدثنا
حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن
مسروق في قوله : " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " قال : كان الرجل يطلق
امرأته ثم يبدو له أن يتزوجها ، فيأبى أولياء المرأة أن يزوجوها ، فقال الله -
تعالى ذكره - : " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف
" .
[ ص: 23 ] 4943 - حدثنا ابن حميد
قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أصحابه ، عن إبراهيم في قوله : " وإذا
طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " قال : المرأة تكون
عند الرجل فيطلقها ، ثم يريد أن يعود إليها ، فلا يعضلها وليها أن ينكحها إياه .
4944 - حدثني المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب : قال الله - تعالى
ذكره - : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن
" الآية ، فإذا طلق الرجل المرأة وهو وليها ، فانقضت عدتها ، فليس له أن
يعضلها حتى يرثها ، ويمنعها أن تستعف بزوج .
4945 - حدثت عن الحسين بن الفرج
قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله
: " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن " هو الرجل يطلق امرأته
تطليقة ، ثم يسكت عنها فيكون خاطبا من الخطاب ، فقال الله لأولياء المرأة : "
لا تعضلوهن " يقول : لا تمنعوهن أن يرجعن إلى أزواجهن بنكاح جديد " إذا
تراضوا بينهم بالمعروف " إذا رضيت المرأة وأرادت أن تراجع زوجها بنكاح جديد .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في هذه الآية أن يقال :
إن الله - تعالى ذكره - أنزلها دلالة على تحريمه على أولياء النساء مضارة من كانوا
له أولياء من النساء بعضلهن عمن أردن نكاحه من أزواج كانوا لهن ، فبن منهن بما
تبين به المرأة من زوجها من طلاق أو فسخ نكاح . وقد يجوز أن تكون نزلت في أمر معقل
بن يسار وأمر أخته ، أو في أمر جابر بن عبد الله وأمر ابنة عمه . وأي ذلك كان
فالآية دالة على ما ذكرت .
[ ص: 24 ] ويعني بقوله تعالى :
" فلا تعضلوهن " لا تضيقوا عليهن بمنعكم إياهن - أيها الأولياء - من
مراجعة أزواجهن بنكاح جديد ، تبتغون بذلك مضارتهن .
يقال منه : " عضل فلان فلانة عن الأزواج يعضلها
عضلا " وقد ذكر لنا أن حيا من أحياء العرب من لغتها : " عضل يعضل "
. فمن كان من لغته " عضل " فإنه إن صار إلى " يفعل " قال :
" يعضل " بفتح " الضاد " . والقراءة على ضم " الضاد
" دون كسرها ، والضم من لغة من قال " عضل " .
وأصل " العضل " الضيق ، ومنه قول عمر - رحمة
الله عليه - : " وقد أعضل بي أهل العراق ، لا يرضون عن وال ، ولا يرضى عنهم
وال " يعني بذلك حملوني على أمر ضيق شديد لا أطيق القيام به .
ومنه أيضا " الداء العضال " وهو الداء الذي لا
يطاق علاجه ؛ لضيقه عن العلاج ، وتجاوزه حد الأدواء التي يكون لها علاج ، ومنه قول
ذي الرمة :
ولم أقذف لمؤمنة حصان بإذن الله موجبة عضالا [ ص: 25 ]
ومنه قيل : " عضل الفضاء بالجيش لكثرتهم " إذا ضاق عنهم من كثرتهم .
وقيل : " عضلت المرأة " إذا نشب الولد في رحمها فضاق عليه الخروج منها ،
ومنه قول أوس بن حجر :
وليس أخوك الدائم العهد بالذي يذمك إن ولى ويرضيك مقبلا
ولكنه النائي إذا كنت آمنا وصاحبك الأدنى إذا الأمر
أعضلا
و " أن " التي في قوله : " أن ينكحن
" في موضع نصب قوله : " تعضلوهن " .
ومعنى قوله : " إذا تراضوا بينهم بالمعروف "
إذا تراضى الأزواج والنساء بما يحل ، ويجوز أن يكون عوضا من أبضاعهن من المهور ،
ونكاح جديد مستأنف كما : -
4946 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن عمير بن عبد الله ، عن عبد الملك بن المغيرة ،
عن عبد الرحمن البيلماني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنكحوا
الأيامى . فقال رجل : يا رسول الله ، ما العلائق بينهم ؟ قال : " ما تراضى
عليه أهلوهم " .
[ ص: 26 ] 4947 - حدثنا ابن بشار
قال : حدثنا محمد بن الحارث قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني ، عن
أبيه ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو منه .
قال أبو جعفر : وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة
قول من قال : " لا نكاح إلا بولي من العصبة " . وذلك أن الله - تعالى
ذكره - منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك . فلو كان للمرأة
إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها ، أو كان لها تولية من أرادت توليته في
إنكاحها - لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم ، إذ كان لا سبيل له إلى عضلها -
وذلك أنها إن كانت متى أردات النكاح جاز لها إنكاح نفسها ، أو إنكاح من توكله
إنكاحها ، [ ص: 27 ] فلا عضل هنالك لها من أحد فينهى عاضلها عن عضلها . وفي فساد
القول بأن لا معنى لنهي الله عما نهى عنه صحة القول بأن لولي المرأة في تزويجها
حقا لا يصح عقده إلا به . وهو المعنى الذي أمر الله به الولي من تزويجها إذا خطبها
خاطبها ورضيت به ، وكان رضى عند أوليائها ، جائزا في حكم المسلمين لمثلها أن تنكح
مثله ونهاه عن خلافه من عضلها ، ومنعها عما أرادت من ذلك ، وتراضت هي والخاطب به .