👆
كتاب : أخبار النساء ابن الجوزي [1..
قال أبو عثمان الجاحظ: كان عندنا بالبصرة مخنّثٌ يجمع بين الرّجال والنّساء في منزله. وكان بعض المهالبة يتعشّق غلاماً. فلم يزل المخنّث يتلطّف له حتّى أوقعه. قال: فلقيته من غدٍ، وقد بلغني الخبر، فقلت له: كيف كانت وقعة الجعرانة، فقد بلغني خبرها؟ قال: لمّا تدانى الأقوام وقع الالتزام، ورقّ الكلام، والتفّت السّاق بالسّاق، ولطّخ باطنها بالبصاق، وجعلت الرّماح تمور، وقرع البيض بالذّكور، وشفيت حرارات الصّدور، ومال كلّ واحدٍ فأصيبت مقاتل كلّ هجرٍ، وانعقد الوصل واتّصل الحبل. فلو كان أعدّ هذا الكلام لمسألتي قبل ذلك بدهرٍ كان قد أجاد وملح.
حبابة وسليمان بن عبد الملك وحكى محمّد بن سلام، عن يونس، قال: حجّ سليمان بن عبد الملك فاشترى حبابة بألف دينارٍ، وكان اسمها العالية، فلمّا رجل بها قال الحارث بن خالد المخزومي:
ظعن الأمير بأحسن الخلق ... وغدا بليلٍ مطلع الشّرق
وبدت لنا من تحت كلّتها ... كالشّمس أو كغمامة البرق
قال: وبلغ خبرها يزيد بن عبد الملك فقال: لقد هممت أن أحجر على سليمان. فبلغ سليمان ذلك فاتقاه وردّها إلى مولاها، فاشتراها رجلٌ من أهل مصر من مولاها بأربعة آلاف دينارٍ ورحل بها إلى مصر، وكانت في نفس سليمان إلى أن ولّي الخلافة. فقالت له يوماً سعدى بنت عبد الله بن عمر بن عثمان زوجته: يا أمير المؤمنين، هل بقي في نفسك شيءٌ تتمنّاه؟ قال: نعم، حبابة. فأرسلت سعدى رجلاً إلى مصر فاشتراها بخمسة آلاف دينارٍ وسار بها إلى سعدى، فاستأذنت سليمان أن تتنزّه في بستانه بالغوطة، وأن يزورها إذا استزارته. فأذن لها، فصيّغت حبابة وهيّأتها وأعلمتها بمكانها من قلب سليمان، وضربت له قبّة وشيٍ وفرشتها. ثمّ أرسلت إلى سليمان تستزيره، فزارها.وقد أجلست حبابة وراء سريرٍ وقالت له: يا أمير المؤمنين إنّي قد أخذت لك جاريةً ذكرت أنّها قد أخذت عن حبابة، فهل لك أن تسمعها؟ فقال: إن شئت. قالت: غنّي يا جارية. فغنّت سليمان صوتاً كان سليمان قد سمعه منها بالمدينة.
قال، فلمّا سمعه قال: حبابة وربّ الكعبة. فقالت: هي حبابة، ولك اشتريتها، فشأنك بها. فقامت وانصرفت وخلّتهما، فكان سليمان لا يزال يشكر سعدى على ذلك.
حديث سميّة الزّانية
وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنّى: أنّ عليّاً عليه السّلام ولّى زياداً فارساً حين أخرج منها سهل بن حنيف فضرب بعضهم ببعضٍ حتّى غلب عليها، وما يزال يتنقّل في كورها حتّى أصلح أمر فارس.
= ثمّ ولاّه على اصطخر، وكان معاوية يتهدّده، ثمّ أخذ بشر بن أرطاة ابنته وكتب إليه يقسم عليه ليقتلها إن لم يدخل في طاعة معاوية. وتوفّي عليٌّ عليه السّلام، فكتب معاوية يدعوه إلى طاعته وأن يقرّه على عمله ويستخلفه إذا كان أبو مريم السّلولي شهد عنده أنّه جمع بين أبي سفيان وسميّة في الجاهليّة على الزّنا. وكانت سميّة من الزّانيات بالطّائف تؤدّي الضّريبة إلى الحارث بن كلدة. وكانت تنزل بموضعٍ ينزل فيه البغايا بالطّائف. فقال له: كره ترك المشورة من العيّ. فشاور زياد المغيرة بن شعبة قال: إرم الغرض الأقصى ودع عنك الفضول، فإنّ هذا الأمر لا يمدّ أحدٌ إليه يداً إلاّّ الحسن بن علي. وقد بايع لمعاوية، فخذ لنفسك، وانقل أصلك إلى أصله، وصل حبلك بحبله، وأعر النّاس منك أذناً صمّاء، وعيناً عمياء. فقال له زياد: يا ابن شعبة، لقد قلت قولاً لا يكون غرسه في غير منبته، لا أصلٌ يغذّيه ولا ماءٌ يسقيه. وعزم على ذلك، وقبل رأي المغيرة، وقدم على معاوية. فأرسلت إليه جويريّة، عن أمر معاوية، فأتاها ودنت له وكشفت شعرها بين يديه وقالت: أنت أخي، أخبرني بذلك أبي.
ثمّ أخرجه معاوية إلى المسجد وجمع النّاس، فقام أبو مريم السّلولي فقال: أشهد أنّ أبا سفيان قدم علينا بالطّائف، وأنا خمّارٌ بالجاهليّة، فقال: إبغني بغياً فقلت له: لم أجد إلاّّ سميّة جارية الحارث بن كلدة! فقال: إئتني بها على ذفرها وقذرها. فقال زياد مهلاً، إنّما بعثت شاهداً ولم تبعث شاتماً. فقال أبو مريم: لو كنتم أبغضتموني كان أحبّ إليّ، فما شهدت إلاّّ بما عاينت ورأيت،فوالله لقد أخذ بكمٍّ درعها وأغلق الباب عليها، وقعدت، فلم ألبث أن خرج عليٌّ يمسح جبينه، فقلت: مه يا أبا سفيان؟ فقال: ما أصبت مثلها يا أبا مريم، لولا استرخاءٍ من ثديها وذفر مرفقيها. فقال زياد: أيّها النّاس، هذا الشّاهد قد ذكر ما سمعتم، ولست أدري حقّ ذلك من باطله، ومعاوية والشّهود أعلم بما قالوا. فقام يونس بن الثّقفي فقال: يا معاوية، قضى رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بالولد للفراش؛ وشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيان. فقال معاوية: والله يا يونس لتنتهين أو لأطيرنّ بك طيرةً يطيب وقوعها، هل إلاّّ إلى الله أقع، قال: نعم، فاستغفر الله. فقال ابن مفزع، ويقال أنّها لعبد الرّحمن بن أمّ الحكم ونحلها ابن مفزع:
ألا أبلغ معاوية بن صخرٍ ... مغلغلةً على الرّجل اليماني
أتغضب أن يقال: أبوك عفٌّ ... وترضى أن يقال: أبوك زان
فاشهد أن آلك من زيادٍ ... كآل الغيل من ولد الأتان
هل حفصة كذلك؟!
وروى الهيثم بن عدي، أنّ الحسن بن علي تزوّج حفصة بنت عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه، وكان المنذر بن الزّبير يهواها، فبلغ الحسن عنها شيئاً أنكره فطلّقها، فخطبها المنذر فأبت أن تتزوذجه، وخطبها عاصم بن عمر بن الخطّاب فتزوّجته، فرمى إليه المنذر بن الزّبير شيئاً فطلّقها، وخطبها المنذر فأبت أن تتزوّجه فدسّ لها امرأةً من قريش، فأتتها فتحدّثت معها ثمّ ذكرت لها المنذر، وأعلمتها أنّه قد شهّر بحبّها، فقالت: قد خطبني فآليت أن لا أتزوّجه. قالت: ولم ذلك؟ فوالله إنّه لفتى قريش وشريفها وابن شريفها. قالت: شهّرني وفضحني! قالت لها: والآن ينبغي أن تتزوّجيه ليعلم النّاس أنّ كلامه كان باطلاً. فوقع في نفسها كلامها، وجاءت المرأة إلى المنذر فقالت: أخطبها فقد أصلحت لك قلبها. فخطبها فنزوّجته، فعلم النّاس أنّه كان يكذب عليها.
وكان في نفس الحسن منها شيءٌ، وكان إنّما طلّقها لما أبلغه عنها الزّبير. فقال الحسن يوماً لابن أبي عتيق: هل لك في العقيق؟ قال: نعم. فعدل الحسن إلى منزل حفصة فدخل عليها فتحدّثا طويلاً، ثمّ خرج، ثمّ قال لابن عتيقٍ يوماً آخر: هل لك في العقيق يا ابن أبي عتيقٍ؟ فقال له: ألا تقول هل لك في حفصة فتصير إليها على علمٍ، وأسعى لك منها فيما تحب؟! فقال الحسن: أستغفر الله.
عاتكة المزواجة ويروى أنّ عبد الله بن أبي بكرٍ الصّدّيق، رضي الله عنه، تزوّج عاتكة بنت زيد بن عمر بن نفيل فعشقها وأحبّها حبّاً شديداً حتّى منعته عن حضور الصّلوات في جماعة. فأمره أبو بكرٍ، رضي الله عنه. بطلاقها، ففارقها، فوجد عليها وجداً عظيماً، فأمره أن يراجعها، فراجعها وكانت عنده حتّى توفّي عنها. وكان قد أخذ عليها يميناً أن لا تتزوّج بعده، فجاءها عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، فأفتاها أن تنكح، فقالت: لست أقبل في هذا كلامك وحدك. لأنّه قد بلغها أنّه يريد أن يتزوّجها فجاءت بعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فأفتاها بذلك، فخطبها عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فتزوّجته، فبعث إليها بعشرين ديناراً كفّرت بها عن يمينها، ثمّ توفّي عنها فخطبها طلحة بن عبيد الله، فلقي الزّبير بن العوّام هناد بن الأسود، وكان لهناد امرأة كانت صديقةً لعاتكة فقال له الزّبير: ما أنا عنك براضٍ حتّى تزوّجني عاتكة بنت زيد. قال، فحلف هناد لامرأته إن هي لم تزوّج الزّبير لعاتكة ليجلدنّها مائة جلدة.
فانطلقت امرأة هنادٍ لعاتكة، وكانت عندها حتّى أتاها رسول طلحة بن عبيد الله فقالت له: فديتك ومن يردّ طلحة لقدمه وشرفه وسخائه؟ ولكن ردّي رسوله اليوم فإنّه سيزيدك ضعفاً ما أراد أن يعطيك. فردّته، فقالت امرأة هنادٍ لهناد: إلق طلحة فقل له: أما تستحي أنّ عاتكة ردّتك وحلفت أن لا تتزوّجك؟ ففعل ذلك، فقال طلحة: لا أتزوّجها أبداً. فأمرت الزّبير أن يرسل إليها، فجاءها رسوله وهي عندها فقالت لها امرأة هناد: قد بلغك ما في حقّ الزّبير من الشّدّة؛ أمّا والله لو تزوّجته ثمّ غلبت عليه ليكوننّ لك بذلك الشّرف في نساء قريش.
ثمّ لم تزل بها حتّى تزوّجت الزّبير. وسنذكر بقيّة خبرها بعد هذا إن شاء الله.
ابن زهير المخنّث القوّاد
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: كان ابن زهير المدايني مخنّثاً، وكان يؤلّف بين الرّجال والنّساء، وكانت له قبّة خضراء وكان فتيان قريشٍ يقولون من يدخل قبّة ابن زهير لم يصنع في الفتوّة شيئاً.
قال: فواعد رجلٌ صديقةً له إلى قبّة ابن زهير فجاءت بعد العتمة، وجاء الرّجل، فتعشيّا، فقالت المرأة: أشتهي نبيذاً. فقال صاحبها لابن زهير: أطلب لنا نبيذاً. قال: من أين لنا في هذه السّاعة؟! قال: لا بدّ منه. فلمّا ألحّ عليه عمد إلى حضضٍ فضربه بماءٍ وصيّره في قنّينةٍ ثمّ جاءه به فقال: والله ما وجدنا غير هذا فصبّ الرّجل منه في قدحٍ فذاقه فوجده مرّاً فكره أن يعيبه فيكرهه إليها فشرب ثمّ صبّ فسقاها. فلمّا صار في بطنه تحرّك. فقال لابن زهير: أين المخرج، فصعد إلى أن حرّكها بطنها فصعدت إلى أن تحرّك بطنه فصعد، فلم يزالا كذلك ليلتهما. فقال ابن زهير: امرأته طالقٌ إن كانا التقيا إلاّّ على الدّرجة حتّى أصبحا ممّا يختلفان، وجاء الصّبح ولم يقضيا حاجةً لأنّهما يطلبان النّبيذ في منزل ابن زهير القوّاد بعد العتمة.
جميل وبثينة، وكثيّر وعزّة
وكان جميل أيضاً لما اشتهر في بثينة توعّده أهلها، فكان يأتيها سرّاً فجمعوا له جميعاً يرصدونه، فقالت بثينة: يا جميل، احذر القوم. فاستخفى وقال في ذلك:
ولو أنّ ألفاً دون بثينة كلّهم ... غيارى وكلّ حارب مزمعٌ قتلي؟
لحاولتها، إمّا نهاراً مجاهراً ... وإمّا سرى ليلٍ وإن قطّعوا رجلي.
فالتقى جميل وكثيّر فشكا كلّ واحدٍ منهما إلى صاحبه أنّه محصورٌ لا يقدر أن يزور. فقال جميل لكثير: أنا رسولك إلى عزّة. قال: فأتهم فأنشدهم ثلاث نوقٍ سودٍ مررن بالقاع، ثمّ احفظ ما يقال لك. قال فأتاهم جميل ينشدهم فقالت له جاريتها: لقد رأينا ثلاثاً سوداً مررن، عهدي بهنّ تحت الطّلحة فانصرف حتّى أتى كثير فأخبره. فأقاما، فلمّا نصف الليل أتيا الطّلحة فإذا عزّة وصاحبة لها. فتحدّثا طويلاً، وجعل كثير يرى عزّة تنظر إلى جميل. وكان جميل جميلاً وكان كثير دميماً فغضب كثير وغار، وقال لجميل: انطلق بنا قبل أن نصبح. فانطلقا: ثمّ قال كثير لجميل: متى عهدك ببثينة؟ قال في أوّل الصّيف، وقعت سحابة بأسفل وادي الدّوم فخرجت معها جارية ترخّص ثياباً. قال، فخرج كثير حتّى أناخ بآل بثينة فقالوا: يا كثير حدّثنا كيف قلت لزوج عزّة حين أمرها بسبّك قال كثير: خرجنا نرمي الجمار فوجدني قد اجتمع النّاس بي فطالعني زوجها، فسمع منّي إنشاداً، فقال لعزّة: اشتميه. فقالت: ما أراك إلاّّ تريد أن تفضحني؟ فألحّ وحلف عليها، فقالت مكرهةً: المنشد يعضّ بظر أمّه: فقلت:
هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامرٍ ... لعزّة من أعراضنا ما استحلت.
فقالت بثينة: أحسنت يا كثير. وقلت أبياتاً لعزّة أعاتبها فيهنّ وأنشدتها:
فقلت لها يا عزّ أرسل صاحبي ... على بعد دارٍ والموكّل مرسل
؟بأن تجعلي بيني وبينك موعداً وأن تأمريني بالذي فيه أفعل
وآخر عهدٍ منك يوم لقيتكم ... بأسفل وادي الدّوم والثّوب يغسل.
فقالت بثينة: يا جارية، أبغنا خطباً من الرّوضات لنذبح لكثير غريضاً من البهم: فراح إلى جميل فأخبره.
ثمّ إنّ بثينة قالت لبنات خالتها، وكانت اطمأنّت إليهنّ وتطلعهنّ على حديثها: أخرجن بنا إلى الدّومات فإنّ جميلاً مع كثيرٍ، وقد وعدته. فخرج جميل وكثير حتّى أتيا الدّومات، وجاءت بثينة وصواحبها. فما برحن حتّى برق الصّبح. وكان كثير يقول: ما رأيت مجلساً قط أحسن من ذلك المجلس، ولا فهماً أحسن من فهم أحدهما من صاحبه، ما أدري أيّهما كان أفهم!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ . ؟ ؟؟؟؟؟؟؟
؟؟شروط الزّواج عند الجاحظ
قال أبو عثمان الجاحظ: إذا ابتلى الرّجل بمحبّة امرأةٍ لنظرةٍ نظر إليها، ولمحةٍ منها، لم يكن يزوّج مثله مثلها وكانت ممتنعةً، فالحيلة في ذلك أن يرسل إليها امرأةً قد كملت فيها سبع خصالٍ منهنّ: أن تكون كتومة السّرّ؛ وأن تكون خدّاعةً لها معرفةٌ بالمكر؛ وأن تكون فطنةً متيقظةً؛ وأن تكون ذات حرصٍ؛ وأن تكون ذات حظٍّ من مالٍ ولا تحتاج إلى النّاس ولا ينكر النّاس اختلافها ودخولها عليها، بأن تكون إمّا بيّاعة طيبٍ، أو قابلةً، أو صانعةً لآلة العرائس، وتقدّم إليها أرقّ وألطف ما تقدر عليه، ولا تدع شيئاً من الشّكوى واللطف، وتخبرها أنّ نفسه في يدها، وأنّها متمثّلةٌ بين عينيه، وأنّه لا ينسى ذكرها، وأنّه يراها في المنام كلّ ليلةٍ تضربه وتخاصمه، وأنّه إن لم ير منها نظرةً أو خلوةً هلك، وإنّه لم يمنعه من خطبتها إلاّّ خشية الامتناع من أهلها إن كان دونهم في الحسب والجاه والمال وخوف التّمنّع منها هي أيضاً. فإنّها إذا سمعت هذا وأمثاله مرّةً أو مرّتين لم تدع أن تمكنه بمالٍ إن قدرت عليه وأذنت له في خطبتها من أوليائها، فإذا شاوروها في ذلك. رضيت، وقد تمكّن قوله من قلبها، توصّل منها إلى ما أراد بحلال التّزويج دون حيلةٍ من حيل الحرام.
؟ليس لهنّ من يعشقهنّ
وقال هارون بن المنذر: رأيت عطيطا المفتي يضرب جواريه على أنّ ليس لهنّ من يعشقهنّ. فقلت له؟ ويحك، أما تتقي الله؟ أيّ ذنبٍ لهنّ في هذا؟ ما أهون عليك! قال: إذا أردت أن أشتري كسوتهنّ أين قلت تكوهن لأنك مولاهن فقال وما لهن الزواني ألا تجعل كسوتهم عليهم؟!؟ فقلت: إنّكنّ سمعتنّ ما قال؟ قلن: نعم، والله، ونجعل له أولاداً؟ قال: فتنفّس وقال: يقولون ما لا يفعلون!
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟سمّاها ليلى
قال الزّبير بن بكار: خرج أبو السّائب المخزومي وعبد الله بن جندب إلى موضعٍ يتنزّهان فيه، فلقيا ابن المولى الشّاعر، فصلح به ابن جندب. فقال: ما شأنك؟ وأنشد:
وأبكي فلا ليلى بكت من صبابةٍ ... لما بي ولا ليلى لذي الودّ تبذل
واخضع للعتبى إذا كنت مذنباً ... وإنّي إذ نبت كنت الذي أتنصّل
وقد زعمت أنّي سلوت وأنني ... ثباتي عن إتيانها متعلّل.
قال ابن جندب: من ليلى هذه؟ امرأته طالقٌ إن لم أفدها. قال: هي والله يا أخي فرسي سمّيتها ليلى.
؟
أمرته بتقوى الله قال الزّبير بن بكار: قال عمر بي أبي ربيعة المخزومي:
أحنّ إذا رأيت حجال سعدى ... وأبكي إن سمعت لها حنينا
وقد أزف المسير فقل لسعدى ... فديتك أخبري ما تأمرينا.
قال، فسمعه ابن أبي عتيقٍ فخرج حتّى أتى الحيّان من أرض غطفان، ثمّ أتى خيمة سعدى، فاستأذن عليها وأنشدها البيتين ثمّ قال لها: ما تأمريه به؟ قالت: آمره بتقوى الله.
؟النّساء فتن الرّجال
أبو غسّان المهدي قال: مرّ أبو بكر الصّدّيق، رضي الله عنه، في خلافته بطريقٍ من طرق المدينة، فإذا جارية تطحن وتنشد:
وعشقته من قبل قطع تمائمي ... متمايساً مثل القضيب النّاعم
وكأنّ نور البدر سنّة وجهه ... ينمى ويصعد في ذؤابة هاشم
فدقّ عليها الباب فخرجت إليه، فقال: ويلك أحرّةً أم مملوكةً؟ قالت: مملوكةٌ يا خليفة رسول الله. قال: فمن هو؟ قال فبكت ثمّ قالت: يا خليفة رسول الله بحقّ الغير ألا انصرفت عنّي؟! قال: وحقّه لا أريم مكاني أو تعلميني! . فقالت:
وأنا التي لعب الغرام بقلبها ... فبكت بحبّ محمّد بن القاسم،
قال، فسار إلى المسجد وبعث إلى مولاها فاشتراها منه: وبعث إلى محمّد بن القاسم بن جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنه، وقال: هؤلاء فتن الرّجال، فكم مات بهنّ كريمٌ، وعطب عليهنّ سليم!!.
رأى القطع خيراً من فضيحة عاشقٍ
وكان فتىً من أهل الكوفة عاشقاً لجاريةٍ، وكان أهلها قد أحسّوا به فتوعّدوه ورصدوه، فلم يقدر على الوصول إليها فواعدها في ليلةٍ مظلمةٍ أن تسير إليه. وأتى فتسوّر عليها حائطاً. فعلم به أهلها فأخذوه وأتوا به خالد بن عبد الله القسري وقالوا له: إنّه لصٌّ تسوّر علينا من الحائط. فسأله خالد عن ذلك فكره أن يجحد السّرقة فيفضح الجّارية، فقال: أسارقٌ أنت؟ قال:نعم، أصلح الله الأمير. فأمر بقطه يمينه. وكان للجارية ابن عمٍّ من أهل الفضل قد اطّلع على بعض شأنه فأخذ رقعةً وكتب فيها هذه الأبيات:
أخالدٌ قد، والله، أوطئت عشوةً ... وما العاشق المظلوم فينا بسارق
أقرّبما لم يجن عمداً لأنّه ... رأى القطع خيراً من فضيحة عاشق
ولولا الذي قد خفت من قطع كفّه ... لألفيت في أمر الهوى غير ناطق
إذا مدّت الغابات في السّبق للعلى ... فأنت ابن عبد الله أوّل سابق
ثمّ حذف الرّقعة فوقعت في حجر خالد فقرأها ثمّ أمر بالفتى إلى السّجن، وصرف القوم. فلمّا خلا مجلسه دعا به فسأله عن قصّته فعرّفه، فبعث إلى أبي الجّارية فقال: قد عرفت قصّة هذا الفتى فما يمنعك من تزويجه؟ قال: خوف العار. قال: لا عار عليك في ذلك، والعار أن لا تزوّجه فتشف أمره! . فسأله أن يزوّجه ففعل، فدفع إليه عن الفتى خمسة آلاف درهمٍ، وأمره بتعجيل إهدائها إليه.
كانت تنزيه بين يديها. سأل رجلٌ بعض العلماء عن الواصلة، فقال: إنّك لمنفّر. قال، قالت عائشة، رضي الله عنها: ليست الواصلة كما تعنون، لأنّهم كانوا يقولون: الواصلة هي أن تكون المرأة بغياً في شبيبتها فإذا شابت وصلته بالقيادة. وكانت كلمة التي يضرب بها المثل في القيادة صبيّةٌ في الكتّاب تسرق أقلام الصّبيان فلمّا شبّت قادت، فلمّا أقعدت اشترت تيساً وكانت تنزيه بين يديها.
القوّادة لا يشفع فيها إلاّّ زانٍ
ذكر المدائني أنّ بعض عمّال البصرة كان لا يزال يأخذ قوّادةً فيحبسها، فيأتي من يشفع فيها فيخرجها. فأمر صاحب شرطته وكتب رقعةً يقول فيها: فلانة القوّادة تجمع بين النسّاء والرّجال، لا يتكلّم فيها إلاّّ زانٍ. فكان إذا كلّمه فيها أحدٌ قال: أخرجوا قصّتها. حتّى إذا قرئت قام الرّجل مستحياً.
هل ينبت الحبّ إلاّّ أن يزرع
وحكى يقظان بن عبد الأعلى قال: رأيت القين يضرب جاريته سلمى المغنّية ويقول: ما جئتني بهديّةٍ، ما جئتني بخلعةٍ قط، هل هو إلاّّ هذا الكرى؟ فهبك لم تقدري على شيءٍ، فما تقدرين على ولدٍ؟. فقالت: هذه المرّة أجيئك بابنٍ. فقال: يا زانية إن لم تصدقي لأضربنّك ألف سوطٍ. فرأيتها بعد ذلك ولها ابنٌ متحرّكٌ تخدمه. فقلت لها: وقد وفيت لمولاك؟ قالت: نعم، ولكن ما ناكني رجلٌ حتّى جاءني هذا الولد! فقال مولاها: صدقت، فهل ينبت الحبّ إلاّّ أن يزرع؟ فعجبت من كشخنة المولى وطيب نفس الجّارية.
باب ما جاء في ما لا يحاط به وهذا باب، أعزّك الله، أكثر من لا يحاط به. ولكنّي اختصرت من ملح أحاديثهم ما فيه مستمتعٌ. وستقف في الأخر التي أفردناها من أخبار القيان على كثيرٍ منه. وقد قالت الشّعراء في الرّسل في الجاهليّة والإسلام. ومن ذلك قول حميد بن ثور الهلالي:
خليليّ إنّي مشتكٍ ما أصابني ... لتستقينا ما قد لقيت وتعلما،
أمنتكما، إنّ الأمانة من يخن ... بها يحتمل يوماً من الله مأثما.
فلا تفشيا سرّي، ولا تخذلا أخاً ... أبثّكما منه الحديث المكتّما،
لتتخذا لي، بارك الله فيكما، ... إلى أهل ليلى العامريّة سلّما.
فإن كان ليلاً، فألوناه هديتما، ... وإن خفتما أن تعرفا فتلثما،
وقولا: خرجنا تاجرين فأبطأت ... ركابٌ تركناها بثد قيّما.
فإن أنتما أطمأننتما وأمنتما ... وأخليتما ما شئتما فتكلّما،
وقولا لها: ما تأمرين بصاحبٍ ... لنا قد تركت القلب منه متيّما؟
أبيني لنا إنّا رحلنا مطيّنا ... إليك، وما نرجوك إلاّّ توهّما.
ألا هل صدا، أمّ الوليد مكلّمٌ ... صداي، إذا ما كنت رمساً وأعظما
المأمون: يا ليتني كنت الرّسول
وقال المأمون لرسولٍ بعث له:
بعثتك مرتاداً، ففزت بنظرةٍ ... وأغفلتني، حتّى أسأت بك الظّنّا،
وناجيت من أهدى وكنت مقرّباً. ... فيا ليت شعري، عن دنوّك ما أغنى؟
وردّدت طرفاً في محاسن وجهها، ... ومتّعت باستمتاع نغمتها الأذنا.
أرى أثراً منها بعينيك لم يكن، لقد سرقت عيناك من وجهها حسنا.
فيا ليتني كنت الرّسول فأشتفي، ... وكنت الذي يعصي وكنت الذي أدنى.
المتنبّي: أنا أهوى وقلبك المتبول
وقال أبو الطّيّب المتنبّي في مثل ذلك:
ما لنا كلّنا جوىً، يا رسول، ... أنا أهوى، وقلبك المتبول
كلّما عاد من بعثت إليها، ... غار منّي، وخان فيما يقول.
أفسدت بيننا الأمانات عينا ... ها وخانت قلوبهنّ العقول
وإذا خامر الهوى قلب حبٍّ ... فعليه لكلّ قلبٍ دليل.
بعض المحدّثين: شغلتني وشغلت عنّي
وقال بعض المحدّثين:
يا سوء منقلب الرّسول مخبراً بخلاف ظنّي
إنّي أعيذك أن تكون شغلتني وشغلت عنّي
أبو نواس: شمّر ثيابك
وأنشد لأبي نواس:
يا من أتى من دون حاجته ... باباً، وأحراس به وكلوا:
شمّر ثيابك، قد شغلت بما ... لو عمّ خلق الله لاشتغلوا،
وانظر رسولاً ذا ملاطفةٍ ... لولا مرارة غمّه عسل
ممّن عليه غباوةٌ، وترى ... أفعاله كالنّار تشتعل
لا يحلفون به إذا خرجوا ... الابتذال ولا إذا دخلوا
رأي الأهوازي في القوّادة
وأنشد أحمد بن عيسى الأهوازي في قوّادة:
تكاد لو لم تكن أنسيّةً ... تجري من الإنسان مجرى الدّم
لا يعصم المقدار من كيدها ... محلّه في الموضع الأعظم
شروط مناجاة الغادة وأنشد لآخر أيضاً:
إذا أردت أن تناجي غادةً ... من الغواني صعبة المنقده
فادسس لها عجيزاً قوّادة ... أدبّ في الظّلماء من جرادة
قد انحنت من شدّة العبادة ... تلوح في جبينها السّجّادة
كالحسن البصري أو قتادة ... في يدها سبحتها الصّيّادة
قد أحكمت من شدّة المرادة ... قد ألفت غرائب القيادة
فإنّها تدخل، كالمرتادة، ... بذكر كلّ غافلٍ معادة
وتصف الشّقاء والسّعادة ... حتّى إذا نصبت لها الوسادة
ولاحظت عقلة وقّادة ... ثمّ خلت بالغادة المرادة
تروّضها باللّجم المقادة ... حتّى ترى طاعتها سعادة
زهدها يغرّ العيون
وقال أحمد بن أبي طاهر:
فأرسلتها أمضى من السّيف مقدماً ... وأسرع من سيلٍ بليلٍ إذا احتفل
تدبّ دبيب النّمل في كلّ مفصل ... لطافتها في الرّأي والقول والحيل.
يذلّ لها الصّعب الجموح قياده ... وتهدي إلى طرق الضّلال فلا تضل
يرى الفطن الدّاهي عليها عبادة ... إذا ما رآها وهي أختل من ختل
يؤلّف بين الأسد والشّاء لطفها ... ويستنزل العصماء من شغف القلل
ولو أنّها شاءت، بأهون سعيها، ... لألّفت الذّئب الأزل مع الحمل
ولو جبلٌ رامت إزالة ركنه ... برقيتها يوماً لزلّ بها الجبل
يغرّ العيون زهدها وخشوعها ... وتسبيحها عند الشّروق وفي الأصل
تسهّل ما قد كان وعراً طريقه ... وتفتح ما قد كان غلقاً وما قفل.
قامتها غصن بانٍ ممطور
وأنشد لابن بشير:
وزولةٍ في الذي رامت يتاح لها ... مت التّجارب أسباب المقادير
لا تحزر الخود منها أن تدبّ لها ... مشيّدٌ محكم البنيان والسّور
كأنّ في قلب من يصغي لمنطقها ... من حرّ ما نعتت لسب الزّنابير
أخفى من الرّوح في تأليف معصيةٍ ... إذا تأمّلت من لطفٍ وتقدير
قد ناطت الدّهر مصباحاً بمعصمها ... تشيمها بذوات البرّ والخير
خلت بواضحة الخدّين مخطفةٍ ... كغصن بانٍ رشيق القدّ ممطور
باتت تعلّمها في طول ليلتها ... تقارب الخطو في ميل وباطير
رفقاً، وتقليب عينٍ عند كلّ فتىً ... يرنو بمقلتها أنفاس مبهور
ما زلت أسألها حظّاً وترفع لي ... في السّوم، حتّى أجابت بعد تعسير
لبذلٍ أصغر، دهراً كنت أدخره، ... أزهو برؤيته زهو المياسير.
الماشية على الماء وأنشد لإسحاق بن خلف البصري:
لو أنّ رقيتها في صخرةٍ نطقت ... أو أذن خرساء أضحت غير خرساء
أخفى من الرّوح إذ دبّت لحاجتها ... ولو تشاء مشت رفقاً على الماء.
عيبه إصلاح شأن العشائر وأنشد الخمّار:
ظلم النّاس، حسبنا ... ورموه بالكبائر
ما له عيبٌ سوى، إصلا ... حه بين العشائر
قوّادٌ يخلي منزله بدرهمين
وأنشد لعبد بن وهب:
قالوا ابن عثمة قوّادٌ، فقلت لهم: ... كذبتم، ما أبو حفص بقوّاد
لكنّه رجلٌ يخليك منزله ... بالدّرهمين وما يبقى من الزّاد
المتكامل وأنشد ابن الأعرابي:
هل من رسول لطيف ... إلى غزالٍ عنيف
له سريرة ذئبٍ ... وسمت قسّ عفيف
تكامل الظّرف فيه ... ففاق كلّ ظريفٍ
نحن منصرفان ومن ملح ما قيل في هذا المعنى قول ابن الدّمينة:
خليليّ سيرا مسعدين فسلّما ... على حاضر الماء الذي تردان
ومرّا فقولا: نحن نطلب حاجةً ... ومرّا فقولا: نحن منصرفان
باب ما جاء في خلق النّساء
أوصاف النّساء
إذا كانت المرأة ضخمةً في تعمّدٍ وعلى اعتدالٍ فهي: رمجلة. فإذا زاد ضخمها ولم تقبح فهي: مسبحلة. فإذا كانت طويلةً قيل: جاريةٌ سبطةٌ وعيطبول. فإذا كانت بها مسحةٌ من جمالٍ فهي: جيلةٌ ووضيئةٌ. فإذا أشبه بعضها في الحسن بعضاً فهي: حسّانةٌ. فإذا استغنت بجمالها عن الزّينة فهي: غانيةٌ. فإذا كانت لا تبالي أن تلبس ثوباً حسناً ولا قلادةً فاخرةً فهي: معطالٌ. فإذا كان حسنها ثابتاً كأنّها رسمت به فهي: وسيمةٌ. فإذا قسم لها حظٌّ وافرٌ من الحسن فهي: قسيمةٌ.
وقالوا: وقال الصّباحة في الوجه الوضّاءة في البشرة. الجمال في الأنف. الحلاوة في العينين. الملاحة في الفم. الظّرف في اللّسان. الرّشاقة في القدّ. اللّباقة في الشّمائل. كمال الحسن في الشّعر.
والمرأة الرّعبوبة: البيضاء. الزّهراء: التي يضرب بياضها إلى صفرةٍ كلون القمر والبدر. والهجان: الحسنة البياض.
والمرأة طفلةٌ ما دامت صغيرةً؛ ثمّ وليدةٌ إذا تحرّكت؛ ثمّ كاعبٌ إذا كعب ثديها؛ ثمّ ناهدٌ إذا زاد؛ ثمّ معصرٌ إذا أدركت؛ ثمّ خودٌ إذا توسّطت الشّباب.
والزّجاء: الدّقيقة الحاجبين الممتدّتهما حتّى كأنّهما خطّا بقلمٍ. والبلج: إن يكون بينهما فرجةً، وهو يستحبّ، ويكره القرن وهو اتّصالهما. والدّعج: أن تكون العين شديدة السّواد مع سعة المقلة. والبرج: شدّة سوادهما وشدّة بياضهما. والنّجل: سعتهما. الكحل: سواد جفونهما من غير كحلٍ. الحور: اتّساع سوادهما.
الشّنب: رقّة الأسنان واستواؤهما وحسنها. الرّتل: حسن تنضيدها واتّساقها. التّفليج: تفرج ما بينهما. الشّتت: تفرّقها في غير تباعدٍ في استواءٍ وحسنٍ يقال منه، ثغرٌ شتيتٌ. الأشر: تحديدٌ في أطراف الثّنايا يدلّ على الحداثة. الظّلّم: الماء الذي يجري على الأسنان من البريق. الجيد: طول العنق. التّلع: إشرافها.
وإذا كانت المرأة شابّةً حسنة الخلق فهي: خود. فإذا كانت جميلة الوجه حسنة المعرى فهي: بهنكة. فإذا كانت دقيقة المحاسن فهي: مملودةٌ. فإذا كانت حسنة القدّ، ليّنة العصب: فهي: خرعبةٌ. وإذا كانت لم يركب بعض لحمها بعضاً فهي: مبتلةٌ. فإذا كانت لطيفة البطن فهي خمصانةٌ. فإذا كانت لطيفة الكشحين فهي: هضيمٌ. فإذا كانت لطيفة الخصر مع امتداد القامة فهي: ممشوقةٌ. فإذا كانت طويلة العنق في اعتدالٍ وحسنٍ فهي: عطبول. فإذا كانت عطيمة العجيزة فهي: رداحٌ. فإذا كانت سمينةً ممتلئة الذّراعين والسّاقين فهي خدلجةٌ.
فإذا كانت سمينةً ترتجّ من سمنها فهي مرمادةٌ. فإذا كانت ترعد من الرّطوبة والغضاضة فهي برهرهةٌ: فإذا كانت كأنّ الماء يجري في وجهها فهي رقراقةٌ. فإذا كانت رقيقة الجلد ناعمة البشرة فهي: بضّةٌ. فإذا عرفت في وجهها نضرة النّعيم فهي: نظرةٌ. فإذا كان فيها فتورٌ عند القيام لسمنها فهي: أناةٌ ووهنانةٌ. فإذا كانت طيّبة الرّيح فهي بهنانةٌ. فإذا كانت عظيمة الخلق مع جمالٍ فهي عرهرةٌ. فإذا كانت ناعمةً جميلةً فهي: عبقرةٌ: فإذا كانت مثنيّةً للينٍ وتعمّدٍ فهي: غيداء وغادةٌ. فإذا كانت طيّبة الفم فهي: رشوفٌ. فإذا كانت طيّبة ريح اليد فهي: أنوفٌ. فإذا كانت طيّبة الخلوة فهي: رصوفٌ. فإذا كانت لعوباً ضحوكاً. فهي: شموعٌ. فإذا كانت تامّة الشّعر فهي: فرعاء. فإذا لم يكن لمرفقيها حجمٌ من سمنها فهي: درماء. فإذا ضاق ملتقى فخذيها لكثرة لحمها فهي: لفّاء.
فإذا كانت حييّةً فهي: خفرةٌ وخرّيدةٌ. فإذا كانت منخفضة الصّوت فهي: رخيمةٌ. فإذا كانت محبّةً زوجها متحببّةً إليه فهي: عروبٌ. فإذا كانت نفوراً من الرّيب فهي: نوارٌ. فإذا كانت تجتنب الأقذار فهي: قذورٌ. فإذا كانت عفيفةً فهي: حصانٌ. وإذا كانت عاملة الكفّين فهي صناع.
فإذا كانت كثيرة الولد فهي: بنون. فإذا كانت قليلة الولادة فهي: نزورٌ. فإذا كانت تلد الذّكور فهي: مذكارٌ. فإذا كانت تلد الإناث فهي: مئناثٌ. فإذا كانت تلد مرّةً ذكراً ومرّةً أنثى فهي: مهابٌ. فإذا كانت لا يعيش لها ولدٌ فهي: مقلاتٌ. فإذا كانت تلد النّجباء فهي: منجابٌ. فإذا كانت تلد الحمقاء فهي: محمقةٌ.
فإذا كانت يغشى عليها عند الجماع فهي: ربوخٌ. والممكورة: المطويّ الخلق. واللّدنة: اللّينة النّاعمة. والمقصدة: التي لا يراها أحدٌ إلاّّ أعجبته. والخبرنجة: الجّارية الحسنة الخلق في استواءٍ. والمسبطرّة: الجسيمة. والعجزاء: العظيمة العجيزة. والرّعبوبة: الرّطبة. والرّجراجة: الدّقيقة الجلد. والرّتكة: الكثيرة اللّحم؛ والطّفلة النّاعمة. والرّود: المتثنّية اللّينة. والأملود: النّاعمة؛ ومثلها الخرع - مأخوذٌ من نبت الخروع وهو نبتٌ ليّنٌ - والبارقة: البيضاء الثّغر. والدّهثمة: السّهلة. والعاتق: التي لم تتزوّج. والبلهاء: الكريمة، والمفضّلة عن السّره الغرّيرة. والعيطموس: الفطنة الحسناء.
والسّلهبة: الخفيفة اللّحم، والمجدولة الممشوقة. والسّرعوفة: النّاعمة الطّويلة. والفيصاء والعفّاء: الطّويلة العنق. والتّهنانة أيضاً: الضّحّاكة المهللّة.
والغيلم: الحسناء. والخليق: الحسنة الخلق؛ وقال الفرّاء هي أحسن النّاس حيث نظر ناظرٌ، أي هي أحسن النّاس وجهاً. وقال أبو عمرو: ويقال للمرأة إذا كانت حسناء: كأنّها فرسٌ شرهاء - والشّرهاء: الحديدة النّفس - وامرأةٌ حسنة المعارف - ومعارفها: وجهها - والمتحرّية: الحسنة المشية في خيلاء. والشّموس: التي لا تطمع الرّجل في نفسها، وهي الذّعور. وامرأةٌ ظمياء: إذا كانت سمراء، وشفّةٌ ظمياء كذلك. ويقال لها إنّها لحسنة العطل أي الجسم. ويقال عبقةٌ أي التي يشاكلها كلّ النّاس.
اختلاف النّاس في أمورٍ عدّةٍ
ونذكر اختلافات النّاس في الثّدي والعجز والمجدولة من النّساء والضّخمة الطّويلة، والغضيضة. واختلاف شهواتهم في الممسوحة والمفلكة والكاعب والنّاهد والمنكسرة. ومن استحسن الثّدي الضّخم الذي يملأ الكفّين، ومن ذمّ ذلك.
وممّن وصف الشّحم عبد بني الحسحاس حيث يقول:
توسّدني كفّاً وترفع معصماً ... عليّ وتحنو رجلها من ورائيا
أميل بها ميل النّزيف، وأتّقي ... بها القطر، والشّقّان من عن شماليا
فسحيم لم يتّخذها هدفاً تستر عنه الرّيح والقطر إلاّّ وهي في غاية الضّخم.
لا يريدها خنّاء قبّاء
وقال أبو عبيدة: دخل مالك الأشتر على عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، في صبحة بنائه على نسائه فقال: كيف وجد أمير المؤمنين أهله! قال كالخير من امرأةٍ، لولا أنّها خنّاء قبّاء قال: وهل يريد الرّجال من النّساء إلاّّ ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: كلاّ، حتّى تدفىء الضّجيع، وتروي الرّضيع.
تفضيل المرأة المجدولة وهذا يدلّ على العجب بالضّخم والشّحم. وأكثر البصراء بجواهر النّساء الذين هم جهابذة هذا الأمر يقدّمون المجدولة، فهي تكون في منزلةٍ بين السّمينة والممشوقة مع جودة القدّ وحسن الخرط. ولا بدّ أن تكون كاسية العظام. وإنّما يردون بقولهم مجدولةً جدولة العصب وقلّة الاسترخاء، وأن تكون سليمةً من الزّوائد والفضول، لذلك قالوا خمصانةً وسيفانةً، وكأنّها جدل عنانٍ وغصن بانٍ وقضيب خيزران.
والتّثنّي من مشية المرأة أحسن ما فيها. ولا يمكن ذلك الضّخمة والسّمينة. ووصفوا المجدولة فقالوا: أعلاها قضيبٌ، وأسفلها كثيبٌ.
وقال بعض الأعراب:
لها قسمةٌ من خوط بانٍ ومن نقىً ... ومن رشأ الغزلان جيد ومذرف
يكاد كليل الطّرف يكله خدّها ... إذا ما بدت من خدرها حين تطرف
وقال آخر:
ومجدولةٍ جدل العنان إذا مشت ... تنوء بخصريها ثقال الرّوادف
وقال آخر:
ومجدولةٌ، أمّا مجال وشاحها ... فغضٌّ، وأمّا ردفها فكثيب؛
لها القمر السّاري نصيبٌ، وإنّها ... لتطلع أحياناً له فيغيب.
وقال أبو نواس. وقد أحسن ما شاء:
أحللت من قلبي هواك محلّةً ... ما حلّها المشروب والمأكول.
بكمال صورتك التي في مثلها ... يتحيّر التّشبيه والتّمثيل.
فوق القصيرة، والطّويلة فوقها؛ ... دون السّمين، ودونها المهزول.
وأمّا قول الأعشى حيث يقول:
غرّاء فرعاء مصقولٌ عوارضها ... تمشي الهوينا كما يمشي الوحى الوجل
كأنّ مشيتها من بيت جاريتها ... مرّ السّحابة لا ريثٌ ولا عجل
فقد وصفها كما ترى بالضّخم، ولكنّه يذكر أفراطاً.
وقال الأحوص:
من المدمجات اللّحم جدلاً كأنّها ... عنانٌ ضاع أنعمت أن تجوّدا
قال أبو عثمان الجاحظ: كان أبو معمر بن هلال يقول: عذرت الرّجل الطّويل الأير حتّى يتمنّاها ضخمةً. ولكن ما عذر الصّغير الأير في ذلك؟.
وفي اختلافهم في الثّدي
أنشد للمرار بن سعيد
صلبة الخدّ طويلٌ جيدها ... سجمة الثّدي ولمّا ينكسر
وقال النّابغة في النّهود:
يحططن بالعيدان في كلّ مقعدٍ ... ويخبّأن رمّان الثّديّ النّواهد
وأنشد لمسلم بن الوليد:
فأقسمت أنسى الدّاعيات إلى الصّبى ... وقد فجأتها العين والشّرّ واقع
فغطّت بأيديها ثمار صدورها ... كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع
وذمّ أعرابيٌّ امرأةً فقال: والله ما بطنها بوالدٍ، ولا شعرها بواردٍ، ولا ثديها بناهدٍ، ولا فوهها بباردٍ.
وكتب الحجّاج بن يوسف إلى الحكم بن أيّوب قال: اخطب على عبد الملك امرأةً جميلةً من بعيدٍ، مليحةً من قريبٍ، شريفةً في قومها، ذليلةً في نفسها، أمةً لبعلها. . فكتب إليه: أصبتها، وهي خولة بنت مسمع، لولا عظم ثديها! فكتب إليه الحجّاج: لا يحسن بدن المرأة حتّى يعظم ثدياها فتدفي الضّجيع، وتروي الرّضيع.
وقال آخر يذمّ عظم الثّدي:
لعمري لبيضٌ يحتللن بقفزةٍ ... لطائف ثدي الصّدر غيد السّوالف
أحبّ إلينا من ضخام بطونها ... لآباطها تحت الثّدي تعاطف
في الممسوحة الصّدر
وقال آخر في الممسوحة التي لم يبد بصدرها شيءٌ:
وعلّقت ليلى وهي بكرٌ خريدةٌ ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم، يا ليت أنّني ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
وقال نصيب:
ولولا أن يقال: صبا نصيبٌ. ... لقلت: بنفسي النّشو الصّغار؛
بنفسي كلّ مهضومٍ حشاها ... إذا ظلمت فليس لها انتصار.
إذا ما الزّلّ ضاعفن الحشايا ... كفاها أن يلاث بها الإزار
وقال ذو الرّمّة:
بعيدات مهوى كلّ قرطٍ عقدنه ... لطاف الحشا تحت الثّدي الفوالك
وذكر آخر ابتداء النّهود فقال:
نظرت إليها نظرةً وهي عاتقٌ ... على حين شبّت واستبان نهودها
وليس في الحيوان شيءٌ واسع الصّدر غير الإنسان. ولا في جميع الحيوان أنثى في صدرها ثديٌ إلاّّ المرأة والفيلة، وكذلك الرّجل. والعرب تمدح الرّجال والنّساء بطول الأعناق. قال الشّاعر:
آراءٌ في طول الأعناق
ومن كلّ شيءٍ قد قضيت لبانتي ... سوى ضخم أعجازٍ ثقال الرّوادف
وهصري أعناقاً تلين وتنثني ... كما كان خيطان الأراك الصّعائف
وقيل لإبراهيم بن النّظام: أيّ مقادير الثّدي أحمد؟ قال: وجدت النّاس يختلفون في الشّهوات، وسمعت الله تبارك وتعالى حين وصف حور العين جعلهنّ كواعب أتراباً. ولم يقل فوالك ولا نواهد. وقالت العرب: يسار الكواعب. ولم تقل يسار النّواهد ولا يسار الفوالك.
ولم أرهم يختلفون في مدح عظم الرّكب كما اختلفوا في مقادير النّدي في طول الأعناق. يقول الشّمردل.
ويشبهون ملوكاً في مهابتهم ... وطول أنصبة الأعناق والأمم
وقال آخر:
طوال أنصبة الأعناق لم يجدوا ... ريح الإماء إذا راحت بأذفار.
وهوة حسنٌ ما لم يطل جدّاً، فإذا أفرط كان عيباً. كما عيب بذلك واصل بن عطاء رئيس المعتزلة فسمّي عنق نعامة، وعيب بذلك جعفر بن يحيى البرمكي.
وكذلك قال فيه الحسن بن هانىء:
ذاك الوزير الذي طاولت علاوته ... كأنّه ناخرٌ في السّيف بالطّول
وقد زعموا أنّه أوّل من اتّخذ هذا الأطواق العراض، فاستحسنها النّاس بعده، فاتّخذوها.
آراءٌ في صفة الأعكان
وفي صفة الأعكان يقول يزيد بن معاوية:
لها عكنٌ بيضٌ كأنّ غضونها ... إذا شفّ عنها السّابري فداح
وقال أبو الطّيّب المتنبّي:
يضمّها المسك ضمّ المستهام بها ... حتّى يصير على الأعكان أعكانا
وقال آخر:
غرّاء واضحة أقراب خرعبة ... طوع العناق فلا بكرٌ ولا نصف
وقال النّابغة الذّبياني:
والبطن ذو عكنٍ لطيفٍ طيّه، ... والنّحر ينفجه بثدي معقّد
محطوطة المتنين غير مفاضةٍ ... ريّا الرّوادف بضّة المتجرّد
وإذا لمست، لمست أجثم جاثماً ... متحيّزاً بمكانه ملء اليد
وإذا نزعت، نزعت عن مستحصفٍ ... نزع الحزوّر بالرّشاء المخضد
وأنشد لأعرابيٍّ آخر:
لمّا رأيت أنّ الرّحيل قد حان ... قامت تهادى في رقيق الكتّان
بواضح الوجه قليل الخيلان ... وعكن مثل متون الغزلان
وقال الفرزدق:
إذا بطحت فوق الأثافي رفعتها ... بثديين في صدرٍ عريضٍ وكعثب
فزعم أنّها إذا بطحت على وجهها لم تمسّ الأرض بشيءٍ من سائر جسدها إلاّّ نهود ثدييها وعظم ركبها فصارت لبدنها كأثافي القدر.
وقال عبد بني الحسحاس:
من كلّ بيضاءٍ لها كعثب ... مثل سنام البكرة المائل
وحلف ابن مطيع اللّيثي الشّاعر أنّ جاريته خردانة كانت تستلقي على ظهرها فتشخص كتفاها ومنكباها حتّى لقد كان يتدحرج الرّمّان والأترج من تحت خصريها.
قالوا: كانت الزّبّاء بنت عبد الله تصبّ جرّة الماء على رأسها فلا يصيب فخذيها للبد عجيزتها.
وقال الشّاعر:
نفج الجفينة لا ترى لكعوبها ... حجماً وليس لساقها ظنبوب
عظمت روادفها وسهّل وجهها ... والوالدان نجيبةٌ ونجيب
ومن مليح ما قيل في هذا، قول الأعرابي:
أبت الرّوادف والثّديّ لقمصها ... مسّ البطون وإن تمسّ ظهورا
وإذا الرّياح مع العشيّ تناوحت ... نبّهن حاسدةً وهجن غيورا
والعرب تمدح الملوك بسعة العيون كما يصفون ذلك النّساء ويستحسنونه.
قال ذو الرّمّة:
ومختلقٌ للملك أبيض قد غمز ... أشمّ ألجّ العين كالقمر البدر
لمّا أنشد بشّار بن برد قول الشّاعر:
ألا إنّما ليلى عصا خيزرانةٍ ... إذا لمسوها بالأكفّ تلين
ضحك بشّار من قوله عصا خيزرانةٍ وقال: لو زعم أنّها عصا رندٍ أو عصا ندّ لهجّنها وكان ذلك خطأً بعد أن جعلها عصاً. فهلاّ قال كما قلت:
إذا قامت لسبحتها تثنّت ... كأنّ عظامها من خيزران
وكانت ميمونة عند هشام بن عبد الملك، خلف عليها بعد العزيز قال: لو أنّ رجلاً ابتلع ميمونة ما اعترض في حلقه منها شيءٌ للينها. وقال بشّار:
إذا مشت نحو بيت جارتها ... خلت من الرّمل خلفها حقف
يرتجّ من مرطها مؤزّرها ... وفوقه غصن بانةٍ قصف.
ما قيل في الضّخمة
وقد قيل في الضّخمة:
قليلة لحم النّاظرين يزيّنها ... شبابٌ ومخفوضٌ من العيش بارد
أرادت لتنتاش الرّواق فلم تقم ... إليه ولكنّ طأطأته الولائد.
وقال آخر أيضاً:
ضوء برقٍ بدا لعينيك أم شبّت بذي الأثل من سلافة نار
أوقدتها بالمسك والعنبر اللّدن فتاةً يضيق عنها الإزار
وأنشد أيضاً:
وتبدي على المتن من شعرها ... عناقيد كرمٍ تدلّين سودا
ويجري السّواك على باردٍ ... لذيذٍ من الدّرّ يبدي نضيدا
وما زانها العقد لكنّها ... تزيّن بالنّحر منها العقودا
كشمس الضّحى بين أترابها ... موافين يوماً ليشهدن عيدا
فكم من قتيلٍ بتلك العيون ... وكم من قتيلٍ تولّى عميدا
فإن يك عنّي قسا قلبها ... فلم يجعل الله قلبي حديدا
أعيذك بالله أن تشتمي ... بنا واشياً أو تطيعي حسودا
وقال جران العود، وقد تزوّج فلقي منها برحاً، وكانت حسنة الشّعر فقال:
ألا لا يغرّنّ امرؤٌ نوفليّةً ... على الرّأس منها أو ترائب وضّح
ولا فاحمٌ يشفي الدّهان كأنّه ... أساود يزهاها بعينيك أفطح
وأنشد لآخر:
لا تنه قلبك أن يتوق إلى الحما ... إنّ القلوب إلى سعاد تتوق
فرعاء تسحب من قيامٍ شعرها ... وتغيب فيه وهو جثل مونق
فكأنّه ليلٌ عليها مغدفٌ ... وكأنّها فيه نهارٌ مشرق
وأنشد لآخر:
مقدورةٌ ما أن لها مثل ... لي عندها العبرات والخبل
فلشعرها من شعرها زجل ... ولعينها من عينها كحل
إن شئت قلت، إذا هي انصرفت، ... بين الرّوادف والحشا نصل
وأنشد لآخر وذكر طول العنق:
وأعجبتني فيها غداة لقيتها ... تبلبل أردافٍ لها ومحاجر
وجيدٍ كأملود الرّخامى رعايةً ... بمنهلّةٍ صبّت عليه الغدائر
وقد وصفوا الأفواه والرّيق والشّفاه
قال بعضهم:
ومقبّلٌ عذب المذاق كأنّه ... بردٌ تحدّر من غمام ماطر
هنّ الدّواء لدائنا، وشفاؤنا ... من كلّ داءٍ باطنٌ أو ظاهر.
وقال ذو الرّمّة:
لمياء في شفتيها حوةٌ لعسٍ ... وفي اللّثاة وفي أنيابها شنب
العلاقة بين الرّيق وطيب الرّيح
والعرب يزعمون أنّ أطيب الأفواه أفواه الظّباء؛ كما أنّ أبعارها أطيب رائحةً من سائر الأباعر. ويزعمون أنّ ليس في السّباع أطيب أفواهاً من الكلاب. وفي النّاس أطيب أفواهاً من الزّنج. ويزعمون أنّ علّة ذلك كثرة الرّيق، لأنّ علّة الخلوف، جفوف الرّيق، والبخر يحدثه الكبر وقد اعترى إشرافاً من النّاس.
الشّيخ البخر
قال: سارر أبو الأسود الدؤولي عبيد الله بن زياد، فلمّا أدنى فاه من أنف عبيد الله خمر أنفه عبيد الله فجذب أبو الأسود يده فنحّاها، وقال: إنّك والله لن تسود حتّى تصير لسرار الشّيخ البخر. فعجب النّاس من جلده ومراسه. والأفواه الموصوفة بالنّتن أفواه الأسود وأفواه الصّقور.
النّهي عن استعمال المسواك
والشّعوبيّة وغيرهم ينهون عن السّواك. وقالوا: إنّما يعتري الخلوف من يستاك، والمره من يكتحل والشّعث من يدّهن. وزعموا السّواك يقلّل الأسنان ويأكل ما عليها من اللّحم، أني اللثّة، ويذهب العمور التي بينها ويرخيها.
وقال حسين بن مطير:
بمرتجّة الأرداف هيفٌ خصورها ... عذابٌ ثناياها عجافٌ قيودها
يريد أنّها صلابٌ عجافٌ غير وارمةٍ ولا مسترخيةٍ والسّواك يوهنها ويزيلها عن أماكنها.
الدّفاع عن السّواك
وزعموا أنّ السّواك يجلب ماء الوجه فيغني على الأيّام نضرة اللون وحمرة الوجنات، كما يصنع رضاع الطّفل في لبة المرأة وفي لون وجهها فإذا تحلب الماء المستكن في الغلاصم والأفواه أعقب ذلك في الأفواه جفوفاً، فإذا جفّت لعد الرّيق أدرثها خلوفاً. فقال من ردّ على هؤلاء: قد علمنا أنّ من أعظم الأمم التي عليها مدار الأمور في العقل والعلم والرّضا قد اجتمعوا على السّواك والخضاب فلو كان السّواك يورث البخر لم تكن هاتان الأمّتان مع ما فيهما من بعد الغور وشدّة الغزل بالنّساء والتّقرّب إلى قلوبهنّ والاستهتار بهنّ ليجهل هذا القدر من العيب الفاحش. فمن أحبّ أن يعرف إفراط العرب في الغزل والصبابة بالنّساء فليقرأ أشعارهم وأحاديثهم الإسلاميّة، وليقرأ كتب الهند في الباه، ولو تتبّعت أشعارهم في استعمال النّساء للسّواك لطال به الكتاب.
عمر والمرأة وعن عمر بن دينار، قال: سمعت الحسن بن علي ، عليهما السّلام يقول لذريح بن سنّة: حل لك أن فرّقت بين قيسٍ ولبنى! أما إنّي سمعت عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، يقول: ما أبالي مشيت إلى الرّجل بالسّيف أو فرّقت بينه وبين امرأته! .
إثمه في عنقها قال الزّبير بن بكار: دخلت عزّة على أمّ البنين بنت عبد العزيز فقالت: أقسمت عليك بأيّ شيءٍ وعدت كثيراً حيث يقول:
قضى كلّ دينٍ فوفّى غريمه ... وعزّة ممطولٌ معنّى غريمها
قالت لها: وعدته فمطلته سنةً، فلمّا ألحّ في التّقاضي هجرته، فضمّني وإيّاه طريقٌ بعد حينٍ فاستحييت منه فقلت: حيّاك الله يا جمل، ولم أحيّه، فقال:
حيّتك عزّة بعد الهجر وانصرفت ... فحيّ ويحك من حيّاك يا جمل
ليت التّحيّة كانت لي فأجعلها ... مكان: يا جملٌ؛ حيّاك يا رجل
وهو على تقاضيه إلى اليوم. قالت: أقسمت عليك، ألاّ قضيته إيّاه وإثمه في عنقي؟.
أريحيّة عبد الملك بن مروان
أبو عبيدة قال: كان بأرض الحجاز رجلٌ له ابنةٌ جميلةٌ فهويها ابن عمٍّ لها فبذل لها أربعة آلاف درهمٍ، فأبى أبوها أن يزوّجها منه، وأجدبت البادية، فدخل ابن عمّها على عمّه ذات يومٍ فشكا إليه ما يلقى. فقال له: قد كنت بذلت لنا أربعة آلاف درهمٍ، فأعطنا إيّاها، فأنت أحبّ إلينا لقرابتك. قال له: أجّلني شهراً. فأجّله، ولم يكن مع الفتى إلاّّ ناقةً، فركبها ومضى إلى عبد الملك بن مروان فطلب الإذن فلم يؤذن له. فقال: إنّي رسول فلانٍ عامل أمير المؤمنين على الحجاز. فأدخل عليه من ساعته. قال: معك كتابٌ من فلان؟ قال: لا، قال فرسالةٌ؟ فأنشأ يقول:
ماذا يقول أمير المؤمنين لمن ... أدلى إليك بلا قربى ولا سبب
مدلّهٌ، عقله من حبّ جاريةٍ ... موصوفةٍ بكمال الحسن والأدب
خطبتها إذ رأيت النّاس قد لهجوا ... بذكرها، والهوى يدعو إلى العطب
فقلت، لي حسبٌ زاكٍ، ولي شرفٌ ... قالوا: الدّراهم خيرٌ من ذوي الحسب،
إنّا نريد ألوفاً منك أربعةً ... ولست أملك غير الحسّ والقتب.
فامنن عليّ، أمير المؤمنين، بها، ... واجمع بها شمل هذا البائس العرب
فما وراءك، بعد الله، مطّلبٌ، ... أنت الرّجاء وأقصى غاية الطّلب
فضحك عبد الملك وأمر له بأربعة آلاف درهمٍ، وقال هذا صداق أهلك، وزاده أربعةً أخرى وقال له أولم بهذه، وأنفق عليها منها. فقبضها ومضى. فتزوّج بالجّارية.
خبلت عقله
وكان إسحاق بن سليمان بن علي شابّاً ظريفاً، محبّاً للشّعر. فخرج ذات يومٍ، وأبوه يلي البصرة، لأبي جعفر المنصور، متنزّهاً إلى ناحية البادية. فلقي أعرابيّاً فصيحاً إلاّّ أنّه شاحب اللون، مصفرّاً، ظاهر النّحول فاستنشده، فمضى عنه، فقال له ما بالك، فوالله، إنّك لفصيحٌ! قال له أما ترى الجبلين؟ قال: قلت بلى. قال: في طلابهما ما شغلني عن إنشادك. قلت: وما ذاك؟ قال: ابنة عمٍّلي قد تيّمتني، وأذهلت عقلي، وتالله أنّه يأتي عليّ لا أدري أفي السّماء أنا أم في الأرض. قال: قلت وما يمنعك منه؟ قال: قلّ ذات يدي!. قلت: وكم مهرها؟ قال خمسون ناقةً. قال: قلت: فيزوّجونك إذا دفعتها؟ قال: نعم. فقلت له أنشد لي ممّا قلت فيها! فأنشدني:
سعى العلم الفرد الذي في طلاله ... غزالان مكحولان يرتعيان
أرعتهما صيداً فلم أستطعهما ... وخبلاً ففاتاني وقد خبلاني.
قال. فقلت له: يا أعرابي، لقد قتلتني بقتلك، فنفيت من العبّاس إن لم أقم بأمرك. فرجع إلى البصرة فأخذ جماعةً من أهله وما أحتاج إليه، وحمل معه الأعرابي، وسار إلى الجّارية فخطبها إلى الفتى، فزوّجه، وساق إليه خمسين ناقةً وأقام عندهم ثلاثة أيّامٍ نحر فيها ثلاثين جزوراً، ووهب للأعرابي وللجارية مثل ذلك، وانصرف إلى البصرة.
لا يخفى عنه مخاطبة الكاتب والحائك قال نفطويه: لمّا فرغ المهدي من بناء قصره ركب للنّظر إليه، فدخله فجأةً وأخرج من هناك من النّاس، فبقي رجلان خفيّان عن أبصار الأعوان، فرأى المهدي أحدهما وهو دهش ممّا يفعل فقال له: ممّن أنت؟ قال: أنا أنا قال: ويلك: لا أدري! قال: لك حاجةً؟ قال: لا. قال أخرجوه أخرج الله نفسه فدفع في قفاه، فلمّا أخرج قال لبعض الغلمان: اتبعه من حيث لا يعلم حتّى يصل إلى منزله، فاسأله عن صنعته فإنّي أخاله حائكاً. فخرج الغلام يقفوه ثمّ أتى الآخر فاستنطقه فأجابه بقلبٍ جريءٍ، ولسانٍ طلقٍ، قال له: من أنت؟ قال: رجلٌ من أبناء رجال دعوتك. قال: فما جاء بك إلى ههنا؟ قال: جئت لأنظر إلى هذا البناء الحسن، وأتمتّع بالنّظر إليه، وأكثر الدّعاء لأمير المؤمنين بطول البقاء ودوام العزّ، وهلاك الأعداء. قال: ألك حاجةً؟ قال: نعم، خطبت ابنة عمّي فردّني وقال: لا مال لك. وإنّي لها عاشقٌ، وبها وامقٌ، قال: قد أمرت لك بخمسين ألف درهم قال: جعلني الله فداك، يا أمير المؤمنين، قد وصلت فأجزلت الصّلة، ومننت فأعظمت المنّة. فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه، وآخر أيّامك خيراً من أوّلها، وأمتعك بما به أنعم عليك، وأمتع بك رعيّتك. فأمر أن تعجّل صلته ووجّه بغلامٍ آخر معه قال: سل عن مهنته فإنّي أخاله كاتباً: فرجع الرّسولان جميعاً فقال الرّسول الأول: وجدت الرّجل حائكاً، ولم يرجع إليه قلبه، ولا ثاب إلى نفسه. وقال الآخر: وجدت الرّجل كاتباً. فقال المهدي أنا إبن المنصور لا يخفى عنّي مخاطبة الكاتب والحائك.
أريحيّة الجّارية برير؟
قال أحمد بن أبي خثعمة: أخبرتني مولاة، كانت لآل جعفر بن أبي جعفر المنصور، قالت: علق عيسى بن جعفر جاريةً لأمّ ولده فمنعته إيّاها غيرةً عليه، وتبعتها نفسه، فدسّت جاريةً لعيسى يقال لها برير إلى مولاتها في أن تبيعها منها، وأرغبتها، فباعتها منها، فأخذتها برير فصنعتها وكانت لبرير من عيسى ليلةً فوجّه إليها بخلعةٍ وبقدحٍ غاليةٍ تضمخ به شعرها.
فلمّا كانت ليلتها ألبست الجّارية الخلعة وضمخت رأسها ووجّهت بها إليه، فلمّا رآها سألها عن حالها فأخبرته بالخبر. وإنّها آثرت هوى نفسه على هوى نفسها. فسرّ بذلك ودعا ببرير فأعتقها وتزوّج بها ومهرها ضياعاً بالكوفة لها قدر. فقالت برير: إنّ من شكر الله على ما وهب لي من رأي أمير المؤمنين أن أجعل ما أعطاني من هذه الضّياع قربةً لله عزّ وجل، تجري للأمير وليّ أجرها. فأوقفها على أهل بيتٍ من الأنصار منهم ابن معاذٍ فلم يزل ذلك يجري عليهم.
زوّجها الرّشيد وأمر لها بالمال
قال إبراهيم بن المهدي: حجبت مع الرّشيد، فلمّا كنّا بالمدينة خرجت إلى العقيق أسير على دابّتي وليس معي غلامٌ، فوقفت على بئر عروة وعليها جاريةٌ سوداء وفي يدها دلوٌ تملأ قربةً لها، فقلت: يا هذه اسقني. فنظرت إليّ وقالت: أنا مشغولةٌ عنك. فقرعت قربوسي بمقرعتي موقّعاً بها على القربوس، وغنّيت. فلمّا سمعت ذلك منّي ملأت دلوها وبادرت به إليّ وقالت: اشرب يا عمّ فشربت، فقالت: بالله يا عم أين أهلك أحمل إليهم هذه القربة؟ فقلت: بين يدي. فمضت معي حتّى أتت المضرب فلمّا رأت الولدان والخدم ذعرت، فقلت لها: لا بأس عليك. وأخذت الماء وأمرت من وصله، فقال لي الغلمان: قد جاء رسول أمير المؤمنين مراراً فمضيت إليه، فقال لي: أين كنت؟ فأخبرته بخبر الجّارية، فأمر بطلبها، فأتي بها، فأمر بابتياعها من مولاها، وأعتقها، وقال لها: هل من تودّينه يودّك وتحبّينه يحبّك؟ قالت: نعم عبدٌ لآل فلان. فأمر بابتياعه وأعتقه ثمّ زوّجها إيّاه، وأمر لهما بمالٍ.
أرجعه من اليمن وزوّجه من يحب
حجّ الرّشبد سنة إحدى عشرة من خلافته، فلمّا نزل بالكوفة، بعد قفوله من الحج، دعا إسماعيل بن صبيح فقال: إنّي أردت الليلة أن أطوف في محال الكوفة وقبائلها فتأهبّ لذلك، قلت: نعم. فلمّا مضى ثلث الليل قام وقمت معه، وركب حماراً وركبت أنا آخر، ومعي خادمٌ ومعه خادمٌ من خاصّة خدمه. فلم نزل نطوف المحال والقبائل حتّى انتهينا إلى النّخع فسمعنا كلاماً. فقال الرّشيد لأحد الخادمين: أدن من الباب وتعرّف ما هذا الكلام؟ فتطلّع من موضعٍ في الباب فرأى نسوةً يغزلن حول مصباحٍ وجاريةٍ منهنّ تنشد شعراً وتردّد أبياته وتتبّع كلّ بيتٍ برنةٍ وأنّةٍ، وتبدي زفرةً: وتفيض عبرةً، والنّسوان اللواتي معها يبكين لبكائها فحفظ الخادم من شعرها هذه الأبيات:
هل أرى وجه حبيبٍ شفني، ... بعد فقدانيه، أفراط الجزع؛
قد برى شوقي إليه أعظمي، وبلى قلبي هواه وفزع.
ليت دهراً مرّ، والقلب به ... جذلٌ، والعيش حلوٌ قد رجع؛
وعفت آثاره منه فيا، ... ليت شعري، ما به الدّهر صنع؟
قد تمسّكت على وجدي به ... بجميل الصّبر، لو كان نفع.
فقال للخادمين: أعرفا الموضع إلى غد. ورجعنا إلى البصرة، فلمّا طلع الفجر وفرغ من صلاته وتسبيحه، قال للخادمين: أمضيا إلى الدّار فإن كان فيها رجلٌ من وجوه الحيّ فجيئا به حتّى أسأله عمّا أريده. فسار الخادمان إلى الدّار فلم يجدا فيها رجلاً، فدخلا إلى مسجد الحيّ فقالا لأهله: أمير المؤمنين يقرأ عليكم السّلام ويقول لكم: أحببت أن يجيئني منكم أربعةً أسألهم عن أمرٍ. قالوا: سمعاً وطاعةً. وقاموا معهما فدخلوا على الرّشيد، فقرّبهم وأدناهم، وقال لهم: طفت البارحة في بلدكم تفقّداً لأحوالكم، فسمعت في دارٍ من دياركم امرأةً تنشد شعراً وتبكي. وقد خفت أ تكون مغيبةً، وأنّ نزاع النّفس أهون من نزاع الشّوق، وقطع الأوصال أهون من قطع الوصال، وقد أحببت أن أعرف خبرها منكم.
قالوا: يا أمير المؤمنين، هذه البارعة بنت عوف بن سهم كان أبوها زوّجها ابن عمٍّ لها يقال له سليمان بن همام على عشرة آلاف درهمٍ، فهلك أبواهما من قبل أن يجتمعا، فاكتتب زوجها مع عاملك إلى اليمن لقلّة ذات يده، وخرج منذ خمس سنين، فحزنت عليه، وطال شوقها إليه، فهي تنشد الأشعار فيه وتستريح إلى ذكره. فأمر الرّشيد من ساعته أن يكتب إلى عامله باليمن في حمل سليمان بن همام على البريد إلى حضرته إلى بغداد.
فما مضت أيّامٌ بعد وصول الرّشيد حتّى دخل عليه إسماعيل بن صبيح، فقال: يا أمير المؤمنين قد وصل النّخعي الذي أمرت بحمله إليك. فأمر بإدخاله عليه، فنظر إلى رجلٍ معتدل القامة، ظاهر الوسامة، ذرب اللسان، حسن البيان، فقال: أنت سليمان بن همام؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين. قال له: أقصص عليّ خبرك! فقصّ عليه الخبر فوجده مطابقاً لمّا خبّره به الأربعة النّفر، فأمر له بعشرين ألف درهمٍ، فأخذ ذلك من يومه ورحل إلى الكوفة فدخل بأهله وكان الرّشيد يتعاهده ببرّه.
تمّ الكتاب بعون الله وتوفيقه
أقسام الكتاب 12
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق